يسود الغموض والضبابية ملف الأسرى اللبنانيين المحتجزين لدى إسرائيل في أعقاب الحرب الأخيرة، وسط تكتم شديد من الجانبين وصمت رسمي يزيد المشهد تعقيداً.
بينما توثق منظمات حقوقية وجود 16 أسيراً على الأقل، بينهم مدنيون ومقاتلون من «حزب الله»، تستمر إسرائيل في رفض السماح لأي جهة محايدة بالاطلاع على أوضاعهم أو حتى تأكيد وجودهم، ما يفتح الباب أمام تساؤلات واسعة حول مصيرهم وحقيقة أوضاعهم.
صيد بري وبحري يتحول إلى اعتقال
في تطور جديد خلال يونيو (حزيران) الماضي، ألقت القوات الإسرائيلية القبض على صياد لبناني هو علي فنيش أثناء وجوده قرب الحدود البحرية، إضافة إلى راعٍ هو ماهر حمدان اختُطف قرب بلدة شبعا الحدودية.
ومع هذه الحوادث، عاد عدد الأسرى الموثقين إلى 16، بعد أن كانت إسرائيل قد أفرجت عن خمسة مدنيين في مارس (آذار) الماضي كانوا قد اعتقلوا خلال عمليات التوغل والاقتحام جنوب لبنان.
وتؤكد مصادر حقوقية أن معظم الموقوفين جرى احتجازهم بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ما يعزز الشكوك حول انتهاك إسرائيل لهذا الاتفاق من خلال استمرار عمليات الاعتقال التعسفي.
صمت رسمي… وملف على طاولة الدولة
على عكس جولات النزاع السابقة، أوكل «حزب الله» هذه المرة مهمة متابعة ملف الأسرى للدولة اللبنانية، بحسب مصادر مطلعة.
ويتولى الرئيس جوزيف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري هذا الملف، في سياق أوسع يشمل المطالبة بانسحاب إسرائيل من النقاط المحتلة في الجنوب ووقف الخروقات المتكررة.
وتشير المصادر إلى أن السلطات اللبنانية طرحت الملف على طاولة المفاوضات مع الموفدين الدوليين، مؤكدة أن الدولة تسعى عبر القنوات الرسمية والدبلوماسية لإحراز تقدم فيه، في إطار السعي لتطبيق القرار الدولي 1701 وحصر السلاح بيد الدولة.
تعتيم إسرائيلي متعمد
فيما يطالب لبنان بمعلومات رسمية حول الأسرى، تصر إسرائيل على التعتيم حول مصيرهم. وأعلنت تل أبيب أخيراً أنها استهدفت مبنى في منطقة الناقورة قالت إنه تابع لقوة «الرضوان» التابعة لـ«حزب الله»، مشيرة إلى أن الهجوم تم بناءً على معلومات حصلت عليها بعد استجواب أحد الأسرى.
ويثير هذا التصريح قلقاً في لبنان، إذ يُعتبر دليلاً على أن إسرائيل تستخدم الأسرى كورقة ضغط عسكرية وسياسية، وليس فقط كورقة تفاوض، ما يزيد المخاوف من انتهاك حقوقهم القانونية والإنسانية.
المجتمع الدولي.. غائب أم مغيب؟
رغم المناشدات المتكررة، لم تنجح حتى الآن أي جهة دولية، بما في ذلك الصليب الأحمر الدولي، في الحصول على إذن بزيارة الأسرى أو التواصل معهم. وتؤكد مصادر مطلعة أن الصليب الأحمر لم يتلق أي معطيات حاسمة من الجانب الإسرائيلي حول مصيرهم.
في هذا السياق، تتصاعد المطالب في الأوساط الحقوقية اللبنانية والدولية بضرورة تدخل الأمم المتحدة والهيئات المعنية لفرض كشف مصير المحتجزين وضمان معاملتهم وفق القوانين الدولية، في ظل التخوف من استخدامهم في أغراض استخباراتية أو عمليات عسكرية.
تصعيد متبادل يزيد تعقيد الملف
تزامناً مع التعتيم على ملف الأسرى، تشهد الحدود اللبنانية الإسرائيلية تصعيداً متواصلاً. فقد نفذت طائرات مسيّرة إسرائيلية غارة على منشأة قرب ميناء الناقورة، تسببت في أضرار مادية كبيرة، في حين استعاد الجيش اللبناني جرافة استولت عليها إسرائيل شمال شرقي ميس الجبل، وسط تعزيزات ميدانية من الجانبين.
ويرى مراقبون أن استمرار التوتر على الحدود يهدد بإغلاق أي نافذة للتفاوض حول ملف الأسرى، وربما يدفع هذا الملف نحو مزيد من التعقيد في ظل غياب أي وساطة دولية فعالة حتى الآن.