رغم التعثر الذي رافق قافلة “صمود 1” في رحلتها إلى غزة، لم تفتر عزيمة المنظمين الذين تعهدوا بمواصلة المبادرة حتى رفع الحصار المفروض على القطاع. في مدينة صفاقس التونسية، وبين حشد شعبي ومساندة من منظمات المجتمع المدني، أعلنت “تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين” عن خطط لإطلاق قوافل جديدة تحمل اسم “صمود 2” و”صمود 3″، لتأكيد استمرار النضال من أجل القضية الفلسطينية ورفض الحصار الإسرائيلي المستمر.
“صمود 1”: بداية رمزية رغم النهاية المتعثرة
انطلقت القافلة الأولى من تونس في 9 يونيو/حزيران، وسط حفاوة شعبية وإعلامية، ومرت بعدة مدن تونسية وصولًا إلى غرب ليبيا، حيث استُقبلت بحفاوة. لكن الرحلة واجهت أولى عراقيلها عند مدينة سرت الليبية، حين منعتها السلطات في شرق البلاد من التقدم، استجابة لرفض رسمي مصري بعبور القافلة نحو غزة.
وبالرغم من الجهود الدبلوماسية التي بُذلت حينها لتذليل العقبات، اضطر المشاركون في القافلة إلى التراجع، بعد تلقيهم تهديدات باستخدام السلاح. بل إن محاولة ثانية للالتفاف على الحصار عبر البحر انطلاقًا من مصراتة باءت بدورها بالفشل، مما عمّق شعور المنظمين بأن التحديات اللوجستية والسياسية تفوق التوقعات الأولية.
اعتقالات وضغوط… ثم إطلاق سراح
في خضم هذه التوترات، اعتُقل 15 ناشطًا مشاركًا في القافلة، ينتمون إلى جنسيات تونسية وجزائرية وليبية وسودانية، وتم احتجازهم لفترة قصيرة قبل أن يُطلق سراحهم بعد ثلاثة أيام من الاحتجاز، في ظروف لم تُكشف تفاصيلها الكاملة. غير أن هذا الحادث ألقى الضوء على تعقيد التحركات التضامنية العابرة للحدود، لا سيما عندما تتقاطع مع حسابات أنظمة سياسية متوجسة من أي مبادرات شعبية خارجة عن الأطر الرسمية.
من الفشل التكتيكي إلى التقييم الاستراتيجي
في كلمة ألقاها أمام الحضور بساحة المائة متر في صفاقس، قال وائل نوار، المتحدث باسم تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين، إن “ما تحقق عبر القافلة الأولى كان خطوة إلى الأمام، لكنها مجرد بداية”. وأكد أن التقييم الشامل لتجربة “صمود 1” جارٍ، بغية تجاوز نقاط الضعف وتعزيز القدرات التنظيمية في المستقبل.
وأشار إلى أن الخطط المستقبلية تشمل تحسين التنسيق الدولي، وتوسيع الترقب السياسي والدبلوماسي، إضافة إلى دراسة خيارات جديدة، من ضمنها اللجوء إلى طرق بحرية قد توفر بدائل أكثر فعالية للوصول إلى القطاع المحاصر.
تعبئة شعبية متجددة
ما ميّز لحظة استقبال القافلة العائدة إلى صفاقس هو حجم الالتفاف الشعبي والمدني حول المبادرة. فقد شاركت في الفعالية مكونات بارزة من المجتمع المدني التونسي، بينها الفرع المحلي للنقابة الوطنية للصحفيين، والاتحاد العام التونسي للشغل، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، ورابطة حقوق الإنسان، إضافة إلى عدد من الشخصيات النقابية والحقوقية التي عبّرت عن تضامنها مع الحملة ودعت إلى توسيعها.
وبينما تحوّلت الساحة إلى منبر للتضامن مع غزة، لم يخفِ نوار خيبة الأمل من العوائق التي وُضعت أمام القافلة، لكنه شدد في المقابل على أن “ثمن الجرأة قد دُفع، لكن بذور التضامن زُرعت”. ودعا إلى تعبئة أوسع في القوافل المقبلة، معتبرًا أن “كسر الحصار مهمة جماعية لا تخص بلدًا واحدًا بل كل الشعوب الحرة”.
صمود يتجدد… ورسائل تتجاوز الحدود
رغم كل العثرات، تُظهر مبادرة “صمود” أن التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية لا يزال حاضرًا بقوة في الوجدان العربي، وأن المبادرات الميدانية ـ مهما كانت محدودة التأثير السياسي ـ تحمل رمزية عالية، خصوصًا عندما تنبع من قوى مدنية تعمل خارج الحسابات الرسمية.
وفي عالم عربي تشهد فيه القضية الفلسطينية حالة من التراجع في أولويات الأنظمة، تُعيد قوافل “صمود” التأكيد على أن إرادة الشعوب لم تُكسر، وأن الفعل التضامني، وإن لم ينجح ميدانيًا في اختراق الحصار، فإنه قادر على فضح صمته، وكسر طوق التطبيع الرمزي والمعنوي.
فالقافلة التي عادت أدراجها ليست قافلة هزيمة، بل نقطة انطلاق جديدة، تعِد بجولات قادمة من التحدي… تحت عنوان: “الصمود إلى أن يُرفع الحصار”.