في واقعة مأساوية هزّت الأوساط العسكرية التركية، أعلنت وزارة الدفاع التركية عن مقتل خمسة من جنودها اختناقاً بغاز الميثان داخل أحد الكهوف في شمال العراق، أثناء تنفيذهم مهمة بحث عن رفات أحد زملائهم المفقودين منذ عام 2022.
أوضحت الوزارة، في بيان رسمي نشرته على منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، أن الكهف الذي وقعت فيه الحادثة يقع في منطقة شمال العراق، حيث تنتشر القوات التركية ضمن عملياتها العسكرية ضد عناصر «حزب العمال الكردستاني».
19 جندياً.. ومصيدة الغازات السامة
البيان أفاد بأن 19 جندياً دخلوا إلى الكهف في إطار المهمة، لكنهم تعرضوا لتسرب مفاجئ لغاز الميثان، وهو غاز سام عديم اللون والرائحة، مما أدى إلى وفاة خمسة منهم اختناقاً، بينما نُقل آخرون للعلاج في حالة حرجة.
وتنفذ القوات التركية عمليات مستمرة في شمال العراق تستهدف «حزب العمال الكردستاني» الذي تعتبره أنقرة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تنظيماً إرهابياً. ويتخذ الحزب من جبال قنديل في شمال العراق معقلاً رئيسياً له، ويمتلك تاريخاً طويلاً من المواجهات مع الجيش التركي يعود إلى أكثر من أربعة عقود.
الوجود التركي في شمال العراق.. ماذا وراءه؟
وتحت غطاء محاربة الإرهاب، وسّعت تركيا في السنوات الأخيرة من وجودها العسكري شمال العراق، من خلال قواعد دائمة وعمليات برية وجوية، وهو ما يُثير اعتراضات متكررة من الحكومة العراقية التي تعتبر تلك العمليات خرقاً لسيادتها الوطنية.
ويعد الاختناق بغاز الميثان من أكثر الحوادث القاتلة في الأماكن المغلقة أو تحت الأرض، لا سيما في الكهوف والمناطق الوعرة حيث التهوية ضعيفة والغازات تتراكم بسهولة. ويبدو أن الجنود لم يكونوا مزودين بأجهزة كشف الغازات السامة، ما جعلهم فريسة سهلة لهذا الغاز القاتل.
الملف الكردي: جراح لا تلتئم
ورغم إعلان «حزب العمال الكردستاني» حل نفسه في مايو الماضي استجابة لدعوة مؤسسه عبد الله أوجلان، المسجون في تركيا، فإن النزاع لم يهدأ بعد. ولا تزال أنقرة ترى في الفصائل الكردية المسلحة تهديداً لأمنها القومي، في ظل حلم كردي مستمر بإقامة دولة مستقلة تشمل أراضي من تركيا والعراق وإيران وسوريا.
وأعاد الحادث فتح النقاش في الداخل التركي حول جدوى استمرار العمليات العسكرية داخل أراضي الغير، خاصةً بعد تصاعد الخسائر البشرية في صفوف الجيش. كما أطلق معارضون للحكومة تساؤلات بشأن تجهيزات السلامة التي تُزوّد بها القوات في مثل هذه المهام الخطرة.
مأساة تُذكّر بتعقيدات الصراع الطويل
وتسلط حادثة الكهف المميتة الضوء مجدداً على كلفة الصراع المفتوح بين أنقرة والحركات الكردية، كما تعكس التعقيدات الأمنية والسياسية المرتبطة بوجود القوات التركية خارج حدودها. وبينما تستمر العمليات، يبقى الثمن إنسانياً وميدانياً باهظاً، في انتظار حلول سياسية شاملة قد تنهي واحدة من أطول حروب الظل في المنطقة.