في ذروة التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل خلال حرب استمرت 12 يوماً، وامتدت نيرانها إلى عواصم عدة، وقف العراق على حافة هاوية أمنية وسياسية غير مسبوقة.
ووفقا لما ذكرته صحيفة “الشرق الأوسط”، فأكدت مصادر أن العراق واجه “تهديداً وجودياً” أكثر خطورة من تنظيم داعش، تمثّل في احتمال انجراف البلاد إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل، بسبب تحركات متطرفة من قبل فصائل مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة.
وبحسب المعلومات، فإن ثلاث هجمات كانت في طور الإعداد، وتستهدف مصالح إسرائيلية أو غربية في المنطقة، تقف خلفها “مجموعات منفلتة” كانت تعوّل على استغلال حالة الغضب الشعبي في العراق لصالح أجندات إقليمية.
حكومة السوداني أمام «الخط الأحمر»
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، واجه اختباراً سيادياً صعباً، إذ لم يكن أمامه خيار سوى منع أي هجوم يُطلق من الأراضي العراقية باتجاه إسرائيل، حتى لا يُصبح العراق ساحة حرب بالوكالة، أو هدفاً لردود إسرائيلية مدمرة شبيهة بتلك التي طالت قيادات من «حزب الله» اللبناني أو «الحرس الثوري» الإيراني.
وقد أبلغ السوداني، وفق مصادر سياسية، جميع قادة الفصائل المسلحة برسالة واضحة: “لن نسمح بتحويل العراق إلى منصة حرب، ولن نتسامح مع من يُقحم البلاد في صراع لا يخدم مصالحها”.
هذه الرسالة جاءت مدعومة بإجراءات ميدانية واستخباراتية مشددة، أدت إلى إحباط الهجمات الثلاث، وفرضت رقابة صارمة على تحركات بعض الفصائل المشتبه بها.
رعب من تفكك الداخل… ومخاوف كردية
الخطر لم يكن أمنياً فقط، بل اتخذ أبعاداً سياسية شديدة الحساسية، إذ أشارت المصادر إلى أن حالة التوتر الشديد دفعت بعض الأصوات الكردية إلى التلميح بإمكانية “الانفصال التدريجي” عن بغداد، باعتبار أن البقاء في دولة تُجرّ إلى حروب خارجية لا ينسجم مع توجهات الإقليم نحو الاستقرار والانفتاح الاقتصادي.
وكان من الممكن لهذا التطور أن يشعل فتيل أزمة داخلية بين العرب والكرد، تُعيد إنتاج أجواء ما بعد الاستفتاء الكردي في 2017، لولا ضبط النفس الذي مارسته الحكومة المركزية، وسرعة احتواء المواقف.
توازن دقيق في علاقات الخارج
في ظل اشتداد المعارك بين طهران وتل أبيب، برز الدور الدبلوماسي للعراق كعنصر توازن إقليمي. فقد أبقت بغداد قنوات الاتصال مفتوحة مع جميع الأطراف، بما فيها الولايات المتحدة، التي مارست ضغوطاً صامتة على الحكومة لضبط الفصائل الموالية لطهران.
وفي المقابل، تجنبت بغداد استعداء إيران، وامتنعت عن إصدار مواقف متشددة قد تُغضب حلفاءها التقليديين، مكتفية بإعلان “القلق من التصعيد” والدعوة إلى ضبط النفس، وهي معادلة دقيقة نجحت مؤقتاً في حماية البلاد من الانزلاق.
لماذا وصف التهديد بأنه «وجودي»؟
الحديث عن تهديد «وجودي» لم يكن مبالغة، بحسب ما أكده مسؤول أمني عراقي سابق، أشار إلى أن: “أي صاروخ ينطلق من العراق نحو إسرائيل كان سيُفجّر سلسلة من الردود العسكرية قد تصل إلى داخل بغداد والنجف وكركوك. وكانت النتيجة ستتمثل في تدمير الثقة الدولية في العراق، وتعريض أمنه الوطني للتفتت” .
كما أن اندلاع مواجهة بهذا الحجم كان سيشعل انقساماً داخلياً بين مكوّنات الشعب العراقي، ويعيد خطاب الطائفية إلى السطح، في وقتٍ يسعى فيه البلد جاهداً لتجاوز سنوات من الحروب والانقسامات.
الشارع العراقي.. بين الغضب والانقسام
ورغم الدعم الشعبي الواسع لإيران في بعض المناطق ذات الأغلبية الشيعية، فإن الشارع العراقي بدا منقسماً حيال الحرب.
ففي حين خرجت تظاهرات في الجنوب دعماً لطهران، عبّر كثيرون في بغداد والوسط والشمال عن خشيتهم من أن يدفع العراق ثمناً لحروب لا علاقة له بها.
ونقلت تقارير محلية أن الحكومة كثفت تواجدها الأمني حول السفارات الأجنبية والمنطقة الخضراء، خشية استهدافها من جماعات خارجة عن السيطرة.
ماذا بعد النجاة؟
نجا العراق من عاصفة كادت تقتلع استقراره، لكن التحديات لم تنتهِ، فالسؤال الأكبر الذي تطرحه الأوساط السياسية هو: هل تستطيع الحكومة السيطرة المستدامة على الفصائل المسلحة؟، وهل ستبقى سياسة الحياد الإيجابي قابلة للتطبيق إذا تفجّرت أزمة أخرى بين حلفاء بغداد؟
المراقبون يرون أن هذه التجربة يجب أن تُحفّز تحصين المؤسسات الأمنية والدستورية، وبناء عقيدة أمنية عراقية مستقلة ترفض التورط في صراعات الآخرين، مهما كانت الضغوط.