في ظل تصاعد الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، تبرز جهود السلطة الوطنية الفلسطينية كخط دفاع دبلوماسي وسياسي أساس في وجه مشاريع التهويد والعدوان، وعلى رأسها ما يُتداول مؤخراً من دعوات على منصات تابعة لمنظمات استيطانية “استعمارية” لتفجير المسجد الأقصى المبارك، وبناء ما يسمى بـ”الهيكل” على أنقاضه.
وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية حذّرت، عبر بيان رسمي، من خطورة هذا الخطاب الذي لا يُعتبر مجرد أمنيات متطرفة، بل هو تحريض واضح وخطير قد يُترجم على أرض الواقع في ظل الدعم السياسي الذي يحظى به اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية الحالية.
المسجد الأقصى خط أحمر
السلطة الفلسطينية، رغم التحديات الداخلية والضغوط الإقليمية والدولية، لم تتوقف عن التأكيد في المحافل الأممية على أن المسجد الأقصى هو خط أحمر لا يمكن تجاوزه. وتعمل الدبلوماسية الفلسطينية بشكل متواصل على فضح التحريض الإسرائيلي، سواء ما يجري في الكواليس السياسية أو عبر منصات إعلامية وتحريضية تروج لأفكار تقلب الحقائق التاريخية والدينية، في محاولة لتطبيع مشروع تهويد القدس، وفرض وقائع جديدة بالقوة.
كما تعمل السلطة على تعبئة الجهود العربية والإسلامية والدولية لدعم الوصاية الأردنية على المقدسات، بوصفها الضامن الرسمي لحماية الوضع القائم في الحرم القدسي، ودعمه قانونياً وسياسياً ومادياً في وجه كل محاولات المساس به. وقد وجهت وزارة الخارجية الفلسطينية دعوات متكررة للمجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته القانونية، خصوصاً أن الدعوات لتدمير المسجد الأقصى باتت علنية ويُروج لها ضمن سردية سياسية داخل الكنيست والحكومة.
مواجهة الفوضى الأمنية
أما على الصعيد الداخلي، وفي مواجهة الفوضى الأمنية المتصاعدة التي تغذيها إسرائيل في الضفة الغربية عبر تغلغل السلاح غير الشرعي، تشن السلطة الفلسطينية حملة منظمة لاستعادة السيطرة الأمنية، والتخلص من الفوضى التي تتيح وجود جماعات مسلحة خارجة عن النظام الرسمي، والتي تشكل خطراً مضاعفاً: فهي تُسهّل للاحتلال تبرير اجتياح المدن، وتُضعف ثقة المواطن الفلسطيني بمؤسسات الدولة.
ورغم الانتقادات الموجهة لهذه السياسة، إلا أن السلطة تُصر على أنها جزء من “معركة البقاء الوطني”، لحماية المشروع السياسي الفلسطيني، وضمان بقاء مؤسسات الدولة قوية في مواجهة الاحتلال ومحاولات تصفية القضية.
الهوية الفلسطينية
الدعم الدولي لجهود السلطة الفلسطينية في هذا الإطار أمر بالغ الأهمية. فتقوية المؤسسات الأمنية والرسمية هو السبيل الوحيد لاستعادة زمام المبادرة، ومنع تغوّل الاحتلال ومخططاته التهويدية، ووقف مشروع تفكيك الهوية الفلسطينية. السلطة لا تتعامل مع التحديات الحالية كأزمات عابرة، بل كمعركة استراتيجية على مستقبل القدس وفلسطين، وتتطلب تكاتفاً وطنياً وعربياً شاملاً.
ما تقوم به السلطة الفلسطينية هو محاولة جادة للحفاظ على الهوية الوطنية والدينية في القدس، وإبقاء شعلة النضال السياسي والدبلوماسي مشتعلة في وجه آلة الاحتلال. هذه الجهود، رغم ما يُحاك ضدها من محاولات إضعاف وتشويه، يجب أن تحظى بدعم كامل من كل القوى الحية، إقليمياً ودولياً، باعتبارها الجدار الأخير الذي يحول دون انفلات الوضع بالكامل وتحقيق الاحتلال لمآربه الكبرى في تهويد فلسطين بالكامل.