في تصريحاته الأخيرة، يعكس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصعيداً غير مسبوق في الخطاب والنهج العسكري تجاه إيران، حيث أعلن خلال مؤتمر صحفي أن إسرائيل “تغيّر وجه الشرق الأوسط” عبر حملتها العسكرية المستمرة ضد الجمهورية الإسلامية. ويأتي هذا التصريح في خضم موجة من العمليات العسكرية المباشرة بين البلدين، في تطور نوعي ينهي مرحلة طويلة من “حروب الظل” إلى مواجهة مفتوحة قد تفتح الباب أمام صراع إقليمي واسع النطاق.
تسويق العملية العسكرية
نتنياهو بدا مصمماً على تسويق العملية العسكرية الجارية كخطوة استراتيجية حاسمة، مستعرضاً ما قال إنها إنجازات كبرى تمثلت في “تصفية القيادة الأمنية الإيرانية”، ومن ضمنها مقتل ثلاثة رؤساء أركان، وقائد القوات الجوية، وقائدين استخباريين. هذه التصريحات تعكس ليس فقط محاولة لتبرير التصعيد العسكري، بل أيضاً سعياً إلى ترسيخ صورة إسرائيل كقوة قادرة على الضرب العميق في قلب إيران، وكسر ما يعتبره نتنياهو مشروع “الإرهاب الإيراني” في المنطقة.
أهداف إسرائيل كما حددها رئيس وزرائها تتجاوز الرد على الضربات الإيرانية، إذ تركز على ثلاثة محاور استراتيجية: تدمير البرنامج النووي الإيراني، تقويض القدرة الإيرانية على إنتاج الصواريخ الباليستية، وتفكيك شبكة الجماعات المسلحة المدعومة من طهران في المنطقة. ومن خلال هذا الإعلان، يسعى نتنياهو إلى إعادة تشكيل المعادلة الإقليمية وإرسال رسالة إلى العواصم الغربية، وتحديداً واشنطن، بأن إسرائيل تقوم بالنيابة عن العالم بوقف التهديد الإيراني.
تغذية الاحتجاجات الشعبية
لكن اللافت في التصريحات هو ما قاله نتنياهو لاحقاً في مقابلة مع شبكة “إيه بي سي نيوز”، حين أشار إلى أن اغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي من شأنه “إنهاء الصراع”، وليس تصعيده. هذا التصريح يُعد سابقة خطيرة في الخطاب الرسمي الإسرائيلي، ويفتح الباب أمام احتمالات غير تقليدية في التعامل مع القيادة الإيرانية، ما يمكن اعتباره إعلان نوايا غير مسبوق باغتيال رأس النظام. مثل هذه التصريحات ستُفسر حتماً في طهران كتهديد مباشر، وقد تعزز اندفاع إيران نحو ردود فعل غير محسوبة، أو تسريع مشاريعها النووية كرد فعل استباقي.
الحديث عن “تغير نظرة الإيرانيين إلى حكومتهم” يعكس أيضاً بُعداً نفسياً في خطاب نتنياهو، حيث يسعى إلى الإيحاء بأن العمليات العسكرية الإسرائيلية تضعف شرعية النظام الإيراني من الداخل. ويأتي ذلك ضمن استراتيجية دائمة لتغذية الاحتجاجات الشعبية وإحداث شرخ داخلي، استناداً إلى فرضية مفادها أن الضغط الخارجي سيؤدي إلى تحلل داخلي.
وحشية العدوان
أما من حيث النتائج الإنسانية، فإن التصعيد خلف حتى الآن، حسب الجانب الإيراني، 224 قتيلاً بينهم قادة عسكريون ومدنيون، في مقابل مقتل 24 إسرائيلياً نتيجة الردود الإيرانية. هذا التفاوت العددي يستخدمه الطرفان كأداة دعائية، فبينما تعتبره إسرائيل دليلاً على “نجاح عملياتها الدقيقة”، ترى فيه إيران دليلاً على وحشية العدوان واستهداف المدنيين.
في المجمل، تصريحات نتنياهو تعكس تصميماً على الذهاب إلى أقصى مدى في المواجهة مع إيران، وهي تحمل في طياتها أبعاداً استراتيجية، ونفسية، ورسائل دولية موجهة لحلفاء إسرائيل وخصومها على السواء. لكنها في الوقت نفسه، ترفع منسوب المخاطر في منطقة مشتعلة أصلاً، وتدفع باتجاه مرحلة جديدة من الصراع قد تكون أكثر دموية وأقل قابلية للسيطرة من كل المراحل السابقة.