في خضم الحرب التي دارت بين إسرائيل وإيران، عاد للواجهة مجددًا ملف تدابير الحماية داخل مدينة القدس المحتلة، حيث يشعر الفلسطينيون في القدس الشرقية بأنهم يُتركون دون الحد الأدنى من وسائل الأمان في وقت الحرب.
ففي حين تتوفر في القدس الغربية، ذات الأغلبية اليهودية، أكثر من 550 ملجأً عامًا، لا يجد سكان القدس الشرقية سوى 51 ملجأً فقط، رغم الكثافة السكانية العالية في العديد من أحيائهم، وهذا الفارق لا يمكن قراءته بعيدًا عن سياسة التمييز المنهجي التي تنتهجها سلطات الاحتلال.
ربما يشعر سكان القدس الشرقية بالخذلان مع كل تصعيد أمني، إذ لا يجدون مكانًا آمنًا يلوذون به، في ظل غياب شبه كامل للبنية التحتية الوقائية، سواء على مستوى الملاجئ العامة أو الغرف المحصنة في المنازل، فكل مرة يسمعون صافرات الإنذار، ينزلون على السلالم أو يجلسون بجانب الحوائط، لأنه لا يوجد ملجأ ولا حتى غرفة تتحمل انفجار، كما يخشون على أولادنا كل لحظة.
المعضلة لا تتوقف عند نقص عدد الملاجئ، بل تتعمق أكثر مع النقص الحاد في الغرف المحصنة داخل البيوت، إذ تُحرم آلاف العائلات في القدس الشرقية من إمكانية بناء هذه الغرف بسبب اللوائح التي تشترط وجود تراخيص هندسية وإنشائية، وهو أمر يكاد يكون مستحيلًا في هذه الأحياء.
ويبدو أن السبب الرئيسي لغياب هذه التراخيص لا يعود إلى إهمال السكان، بل إلى النظام المعقد والمكلف الذي تفرضه بلدية الاحتلال، والذي يجعل حصول الفلسطيني على رخصة بناء أمرًا بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلًا.
أيضا هناك أكثر من 20 ألف منزل في القدس الشرقية بُنيت دون ترخيص، ليس رغبة في العشوائية، بل هروبًا من التعطيل المتعمد الذي تنتهجه سلطات الاحتلال في إصدار التصاريح للفلسطينيين، ومع تفاقم هذا الواقع، يصبح من المستحيل قانونيًا تحسين ظروف الحماية، إذ تستند سلطات الاحتلال إلى عدم وجود ترخيص كمبرر لرفض بناء غرف محصنة، مما يخلق حلقة مفرغة من التمييز الممنهج.
ربما يكون هذا الوضع نوع من التمييز في الحق بالحياة، حيث لا تُمنح للفلسطينيين نفس أدوات الحماية التي تُمنح لجيرانهم في الجانب الآخر من المدينة، رغم أنهم جميعًا يواجهون نفس التهديدات الصاروخية، لذلك يجب أن تكون حماية المدنيين أثناء النزاعات أولوية بغض النظر عن العرق أو الدين أو الوضع القانوني، لأن أي تمييز في هذا السياق يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.
ولا يخفى على أحد، أن هذه الفجوة في تدابير الطوارئ تُعزز من شعور سكان القدس الشرقية بأنهم مواطنون من درجة أدنى، تُعامل أحياؤهم كأراضٍ مُلحقة وليست جزءًا من المدينة الواحدة التي يدّعي الاحتلال توحيدها.
وفي ظل ازدياد التهديدات من جبهات خارجية، تتصاعد مطالب المجتمع المقدسي الشرقي بضرورة إنهاء هذا التمييز وتأمين الحد الأدنى من الحماية، لا سيما للأطفال والنساء وكبار السن، الذين يعيشون في ظروف توصف بالهشة والخطرة.
وتبقى الأسئلة مفتوحة: هل تنتظر سلطات الاحتلال وقوع كارثة إنسانية في القدس الشرقية لتتحرك؟، أم أن الحماية ستبقى حكرًا على “الجانب الآخر من الجدار”؟