قال توم براك، المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا وسفير واشنطن السابق لدى أنقرة، إن لبنان يواجه “تهديدًا وجوديًا” إذا ما استمر في تجاهل ملف السلاح غير الشرعي، وعلى رأسه ترسانة “حزب الله”، مشيرًا إلى أن غياب التحرك قد يُغرق البلاد أكثر فأكثر في دائرة النفوذ الإقليمي، ويفقدها ما تبقى من هامش سيادي.
براك، الذي تحدث في مقابلة إعلامية، رسم صورة قاتمة للمشهد الإقليمي المتشابك، قائلًا إن “لبنان محاصر بين إسرائيل من جهة، وإيران من الجهة الأخرى، بينما سوريا تشهد تحولات متسارعة قد تعيد رسم خريطة التوازنات في المشرق”، وحذّر من أن لبنان قد يتحوّل مجددًا إلى “بلاد الشام” بصيغتها القديمة، في إشارة إلى الانكفاء الوطني أمام نفوذ الجوار.
وذهب المسؤول الأميركي إلى أبعد من التشخيص، حين كشف أن واشنطن كانت قد تقدّمت، في يونيو الماضي، بمبادرة رسمية إلى الحكومة اللبنانية، تتضمن خارطة طريق شاملة للخروج من الأزمة، تقوم على ركيزتين: نزع سلاح “حزب الله”، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية عميقة مقابل مساعدات مالية دولية. المبادرة، التي أُعدّت بالتنسيق مع كل من المملكة العربية السعودية وقطر، اشترطت أن يتولى لبنان زمام المبادرة، لا أن ينتظر التسويات الخارجية أو يراهن على المسكنات.
براك أشار إلى أن دولًا عربية وغربية مستعدة لتقديم الدعم الفني والسياسي، بل وحتى المالي، ولكن “الشرط الأساسي هو أن يثبت لبنان جديته، وأن يبدأ خطوات عملية لاستعادة سيادته على قراره الأمني والاقتصادي”، بحسب تعبيره.
الوثيقة الأميركية، التي لم تُنشر تفاصيلها بالكامل، ربطت بشكل مباشر بين وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية على الجبهة اللبنانية، وبين نزع سلاح الحزب، إضافة إلى التزام بيروت بمسار إصلاحي واضح يشمل النظام المصرفي ومؤسسات الدولة المفككة، في مقابل إعادة الإعمار وضخ أموال لدعم الاقتصاد المنهار.
الرد اللبناني لم يتأخر، إذ قدّمت الحكومة وثيقة من سبع صفحات للجانب الأميركي، تضمّنت رؤية بيروت للمقترح. الوثيقة شددت على وجوب انسحاب إسرائيل الكامل من المناطق المتنازع عليها، وعلى رأسها مزارع شبعا، كأساس لأي تفاهم. كما أكدت أن سلاح “حزب الله” لا يمكن فصله عن قضية الاحتلال، ولكنها أبدت استعدادًا لدمجه ضمن “خطة شاملة تعيد بسط سيطرة الدولة على كل الأراضي والأسلحة”، وهو ما اعتبرته مصادر دبلوماسية “محاولة لبنانية للجمع بين تثبيت المعادلة الأمنية والتفاوض على المسار السياسي”.
في خلفية هذا السجال، يعيش لبنان عامًا سادسًا من الانهيار الاقتصادي، مع ارتفاع غير مسبوق في معدلات الفقر والبطالة وتدهور الخدمات العامة. ورغم تشكيل حكومة انتقالية محدودة الصلاحيات، إلا أن التعطيل المستمر لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يعمّق الشلل المؤسساتي، ويجعل أي استجابة دولية مشروطة بخطوات بنيوية واضحة.
المبادرة الأميركية تأتي في توقيت بالغ الحساسية، إذ يتزامن مع تصاعد التوتر على الحدود الجنوبية، وانخراط “حزب الله” بشكل غير مباشر في المعادلة الإقليمية المتفجرة، لا سيما عبر دعمه لجماعات تنشط في سوريا والعراق واليمن. وفي ظل هذا التشابك، ترى واشنطن أن “نزع السلاح” لم يعد مطلبًا أمنيًا فحسب، بل ضرورة سياسية لإنقاذ ما تبقى من الكيان اللبناني من الانهيار الكامل أو الارتهان المحض للنفوذ الإيراني.
الكرة الآن في ملعب بيروت، التي تبدو عالقة بين خيارين أحلاهما مر: قبول معادلة دولية تُفكك قوة الحزب العسكرية مقابل وعد بالإعمار، أو الاستمرار في المراوحة حتى يحسم الميدان ما عجزت عنه الدبلوماسية.