تحتضن العاصمة السعودية الرياض، صباح اليوم الأربعاء، لقاءً مرتقبًا بين الرئيس السوري أحمد الشرع ونظيره الأميركي دونالد ترامب، وسط ترقب واسع لما قد يتمخض عنه هذا الاجتماع النادر بين رئيس دولة أنهكتها الحرب، وزعيم دولة كانت أحد أبرز داعمي العقوبات ضدها لأكثر من عقد من الزمن.
اللقاء الذي أكدت انعقاده كل من دمشق وواشنطن، يجري على هامش منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، في ظل تحولات إقليمية تشير إلى مساعٍ متسارعة لإعادة دمج سوريا في المنظومة الإقليمية والدولية، بعد سنوات من العزلة. ورغم أن البيت الأبيض لم يفصح عن جدول الأعمال الكامل، فإن الخطوة الأميركية برفع العقوبات عن سوريا في اليوم السابق، ترسم ملامح واضحة لما سيحمله هذا اللقاء من مؤشرات سياسية واقتصادية.
البعد السياسي: من العداء إلى التطبيع التدريجي
من المنتظر أن يكون ملف التطبيع الثنائي في صلب المحادثات بين الشرع وترامب، خاصة أن هذه الخطوة تأتي بعد إعلان ترامب عزمه رفع العقوبات عن سوريا، في ما وُصف بأنه “بداية صفحة جديدة” في العلاقة بين البلدين. وكانت العلاقات قد انقطعت بشكل شبه كامل منذ العام 2011، مع تصاعد الحرب السورية، وفرض واشنطن لسلسلة من العقوبات القاسية التي شلّت قطاعات واسعة من الاقتصاد السوري.
الشرع، الذي تولى الحكم ضمن عملية انتقالية معقدة بعد الإطاحة ببشار الأسد، كان قد أشار مرارًا إلى أن رفع العقوبات شرط أساسي لأي تقدم سياسي واقتصادي في البلاد. ويبدو أن اللقاء في الرياض سيمثل اللحظة التي تُنقل فيها هذه المطالب إلى حيّز التنفيذ، خاصة بعد أن أظهرت واشنطن مرونة غير مسبوقة تجاه الحكومة الجديدة في دمشق.
الاقتصاد وإعادة الإعمار
في الوقت الذي تعاني فيه سوريا من اقتصاد شبه منهار، ستكون مسألة الاستثمار الدولي وإعادة الإعمار حاضرة بقوة في أجندة اللقاء. فالقرار الأميركي برفع العقوبات لا يقتصر على رسالة سياسية، بل يُعد خطوة عملية تسمح للشركات الأميركية والدولية بالعودة إلى السوق السورية، بعد عزوف دام أكثر من عقد من الزمن.
من المرجح أن يبحث الطرفان فرص إعادة إعمار البنية التحتية الحيوية، واستكشاف مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة، والاتصالات، والنقل، والتعليم. كما قد تتم مناقشة آليات تحرير النظام المصرفي السوري جزئيًا، بهدف تسهيل التحويلات المالية ودعم النشاط التجاري.
الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب
رغم التوجه الجديد، لا تزال واشنطن تُبقي على مسافة من الحذر تجاه بعض الملفات الحساسة، وفي مقدمتها مسألة الأمن الإقليمي و”مكافحة الإرهاب”. وقد يُطرح خلال اللقاء مستقبل القواعد الأميركية في شمال شرق سوريا، والوجود الإيراني، إضافة إلى موقف الحكومة السورية من الجماعات الكردية المسلحة، التي لطالما كانت محل جدل بين دمشق وواشنطن.
ترامب، الذي يسعى إلى تحقيق إنجاز سياسي خارجي قبل نهاية ولايته، قد يستثمر هذا اللقاء ليعرض استراتيجية أمنية جديدة في سوريا تستند إلى تقليص الوجود العسكري الأميركي المباشر، مقابل ضمانات من الحكومة السورية بشأن التهدئة وضبط الحدود ومنع عودة التنظيمات المتشددة.
الرعاية السعودية ووساطة إقليمية
يُحسب للرياض احتضان هذا الحدث، الذي يضعها في موقع الوسيط الدولي بين عاصمتين لطالما كانتا على طرفي نقيض في الصراع السوري. المملكة، التي كثّفت في الأشهر الأخيرة جهودها الدبلوماسية لإعادة ترتيب البيت العربي، تبدو عازمة على لعب دور فعّال في صياغة الحل السياسي في سوريا، وربما في ضمان بيئة استثمارية عربية موحدة تسهم في إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار.
كما أن اللقاء بين وزيري الخارجية أسعد الشيباني وماركو روبيو في تركيا، يعزز الانطباع بأن الولايات المتحدة بدأت فعليًا مرحلة انخراط دبلوماسي أوسع في الملف السوري، بعد سنوات من الاكتفاء بالتدخلات العسكرية أو الضغوط الاقتصادية.
لقاء مفتوح على العديد من الاحتمالات
اللقاء بين الشرع وترامب لا يُعد مجرد خطوة بروتوكولية، بل يحمل في طياته إشارات عميقة إلى أن سياسة واشنطن تجاه دمشق بدأت بالتحول من المواجهة إلى الشراكة الحذرة. وما إذا كان هذا اللقاء سيفتح الباب لعودة سوريا إلى النظام الدولي من بوابة الشرعية، أو سيكون مجرد تقارب ظرفي يفرضه واقع جيوسياسي متغير، فإن الأيام المقبلة وحدها كفيلة بكشف حجم التحول الذي قد يشهده الشرق الأوسط في ضوء هذا الحدث المفصلي.