في مشهد يعيد رسم خريطة اللجوء السوري، أعلن والي مدينة غازي عنتاب التركية، كمال شبر، أن نحو 100 ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلادهم منذ بداية عام 2025 وحتى نهاية يونيو/حزيران الماضي.
وأكد شبر خلال مؤتمر صحفي أن مدينة عينتاب، التي لطالما شكلت إحدى أكبر نقاط تجمع اللاجئين السوريين بسبب قربها الجغرافي من الحدود، تشهد الآن موجة مغادرة واسعة، مشيراً إلى أن إجمالي عدد السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في الولاية لا يزال يبلغ 371,639 شخصاً، دون تحديد ما إذا كان الرقم يشمل العائدين أم لا.
من النزوح إلى العودة.. بعد 14 عاماً
تأتي هذه التطورات بعد أكثر من عقد على الحرب السورية، والتي أدت إلى نزوح الملايين نحو الدول المجاورة، وعلى رأسها تركيا، إلا أن سقوط نظام بشار الأسد وتولي أحمد الشرع السلطة، مهد الطريق لعودة تدريجية، بدأت من المدن الصغيرة والحدودية، ثم امتدت لتشمل ولايات كبرى مثل عينتاب.
وبحسب شهادات لاجئين عادوا مؤخراً إلى سوريا، فقد كان قرب المدينة من الحدود السورية سبباً رئيسياً في اختيارها للاستقرار المؤقت، بانتظار لحظة العودة.
النساء وكبار السن أول العائدين.. والشباب باقٍ للعمل
ذكرت وسائل إعلام تركية أن الغالبية العظمى من العائدين هم نساء وكبار سنّ، في حين تبقى فئة من الشباب في تركيا، بهدف العمل وإرسال المساعدات المالية لعائلاتهم في الداخل السوري.
وأكدت مصادر، أن العديد من العائلات تعتمد على هذه الاستراتيجية للنجاة اقتصادياً، بينما يسعى بعض الشباب إلى خيارات أخرى مثل الهجرة إلى أوروبا، بدلاً من البقاء في تركيا أو العودة.
أزمة سكن في عينتاب.. وقطاعات تتأثر بالغياب
العودة الجماعية أثرت مباشرة على الواقع السكاني والاقتصادي في عينتاب، حيث بدأت تظهر أزمة سكن محلية بسبب خلو آلاف الشقق من مستأجريها السوريين.
في الوقت نفسه، بدأ سوق العمل التركي يشعر بالفراغ، لا سيما في قطاعات كانت تعتمد بشكل كبير على اليد العاملة السورية، مثل الزراعة والبناء والخدمات. وتشكو العديد من ورشات العمل من نقص العمال، ما دفع البعض لتحذير من آثار هذه العودة على الإنتاج، خاصة في الولايات الحدودية.
خريطة الوجود السوري في تركيا.. هل تتغير قريباً؟
رغم عودة الآلاف من عينتاب، لا تزال إسطنبول تتصدر المدن التركية من حيث عدد اللاجئين السوريين، بـ 437,687 لاجئاً، تليها عينتاب، ثم أورفا وأضنة وهاتاي. ومع تزايد وتيرة العودة، يتوقع مراقبون أن تنخفض الأرقام تدريجياً في المدن الكبرى خلال الشهور المقبلة، خاصة إذا واصلت الحكومة السورية تسهيل العودة وتقديم ضمانات أمنية واقتصادية للعائدين.
مبادرات إقليمية لتسهيل العودة.. ومصر تعفي السوريين من الغرامات
لم تقتصر تسهيلات العودة على سوريا وتركيا فحسب، بل دخلت دول إقليمية على الخط.
وقد أعلنت مصر عن إعفاء السوريين الراغبين بالعودة من غرامات الإقامة المتأخرة، في خطوة تهدف إلى تسهيل عودتهم إلى وطنهم.
لحظة مفصلية في تاريخ اللجوء السوري
العودة من عينتاب ليست مجرد رقم، بل مؤشر على تحوّل استراتيجي في ملف اللاجئين السوريين، بعد سنوات من التهجير والنزوح.
وبين من قرر العودة ومن ينتظر فرصاً جديدة في أوروبا، تبقى الكلمة الفصل للواقع على الأرض، سواء في الداخل السوري الذي ما زال يتعافى، أو في تركيا التي تعيد ترتيب أوراقها الداخلية مع مغادرة من كانوا يوماً جزءاً من نسيجها السكاني.