هل سوريا على شفا حرب أهلية أم أنها مستعدة أخيرا للسلام الدائم؟ 

وصفت المحادثة الاتفاق الذي تم التوصل إليه مساء يوم 10 مارس لدمج المؤسسات السياسية والعسكرية الكردية في الحكومة السورية الجديدة بأنه “خطوة كبيرة نحو توحيد البلاد المنقسمة”.

وتحدثت صحيفة العربي الجديد أيضا عن تعزيز “الوحدة الوطنية” لوصف اتفاق تكامل آخر تم توقيعه في 11 مارس/آذار بين الحكومة المركزية والمجتمع الدرزي.

ولكن هذه الاتفاقات الواعدة جاءت بعد أيام عديدة من العنف في منطقة اللاذقية الساحلية، والتي قُتل خلالها ما يقرب من ألف علوي، وهي أقلية سورية أخرى. إن إراقة الدماء هذه، والتي بحسب موقع “ذا كونفرسيشن”، تذكرنا بهشاشة هذا البلد “الممزق بالانقسامات الدينية”.

ولا بد من القول إنه في ظل نظام الأسد، كان العلويون ـ وهم جماعة عرقية دينية تمثل نحو 12% من سكان سوريا ـ “يشغلون مناصب مهمة، لا سيما في الجيش والحكومة”،  . ورغم أنهم تميزوا بممارسة “شكل من أشكال التشيع”، فإن معظم الجماعات المتمردة كانت ذات أغلبية سنية. وتساهم كل هذه العناصر الآن في تأجيج الدعوات للانتقام ضدهم، ولا سيما من جانب المتمردين السابقين في مجلس شورى المجاهدين الذين يتولون الآن رئاسة البلاد، كما يلاحظ موقع “ذا كونفرسيشن” .

لم يكن الأكراد قريبين من الأسد قط، بل على العكس تماما. ويعد هذا المجتمع، الذي يتكون في معظمه من المسلمين السنة، ثاني أكبر مجتمع في البلاد. ويغطي هذا “ما يقرب من 15% من السكان السوريين”.

ومع ذلك، فإن الأكراد “عانوا منذ فترة طويلة من الاضطهاد من قبل الحكومات السورية المتعاقبة”. وكان سقوط بشار الأسد بمثابة إشارة أمل وقلق بالنسبة لهذا المجتمع. السبب: التقارب الواضح بين المتمردين الإسلاميين في هيئة تحرير الشام وتركيا، التي تعتبر المكون الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية (SDF)، وحدات حماية الشعب، منظمة إرهابية.

في 13 مارس/آذار 2025، وقّع الرئيس السوري أحمد الشرع إعلانًا دستوريًا جديدًا يحدد مدة المرحلة الانتقالية في البلاد بخمس سنوات، ويمنحه سلطات واسعة لإدارة هذه المرحلة. وبينما ترى بعض الأطراف أن هذه الخطوة تمثل بدايةً جديدة لسوريا، يحذر آخرون من أنها قد تؤدي إلى إعادة إنتاج نظام استبدادي، خاصة في ظل المخاوف التي أبدتها الأقليات والمجتمع المدني.

أبرز ملامح الإعلان الدستوري

يمنح الإعلان الدستوري رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة تشمل تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، بينما يتم انتخاب الثلثين المتبقيين عبر هيئات فرعية يشرف عليها الرئيس نفسه. كما أنه يتولى السلطة التنفيذية بالكامل، إلى جانب الوزراء الذين يعيّنهم، ما يلغي دور رئاسة الحكومة التقليدية.

وتشمل بنود الإعلان أيضًا أن يكون الفقه الإسلامي مصدرًا رئيسيًا للتشريع، مع التأكيد على أن الإسلام هو دين رئيس الجمهورية. هذه النقاط أثارت جدلًا واسعًا بين المكونات المختلفة للمجتمع السوري، خاصة بين الأقليات التي تخشى أن يؤدي ذلك إلى تهميشها مجددًا.

ردود الفعل المحلية والدولية

أثار الإعلان الدستوري ردود فعل متباينة بين الفاعلين السياسيين داخل سوريا وخارجها. فبينما رحب به أنصار الرئيس الشرع باعتباره خطوة ضرورية لإرساء الاستقرار، أعربت بعض الأطراف عن مخاوفها من أنه يمنح صلاحيات مفرطة للرئيس، قد تؤدي إلى استمرار النهج السلطوي الذي عانت منه البلاد لسنوات طويلة.

الإدارة الذاتية الكردية انتقدت الإعلان بشدة، معتبرةً أنه لا يأخذ في الاعتبار التنوع العرقي والثقافي في سوريا، ويعيد تكريس الهيمنة المركزية على القرار السياسي. كما عبرت منظمات حقوق الإنسان عن قلقها من احتمال استغلال السلطات الموسعة لقمع المعارضين ومنع التعددية السياسية.

أما على الصعيد الدولي، فقد أبدت بعض الدول دعمها الحذر للإعلان، مطالبةً بضمان أن يكون تمهيدًا لانتقال ديمقراطي حقيقي، في حين دعت أطراف أخرى إلى إدخال تعديلات جوهرية تضمن تمثيلًا أوسع لكل مكونات المجتمع السوري.

الخطوات المستقبلية بعد الإعلان الدستوري

بعد صدور الإعلان، من المتوقع اتخاذ سلسلة من الخطوات التي ستحدد معالم المرحلة الانتقالية، وتشمل:

  1. تشكيل مجلس الشعب الجديد: سيتم تعيين ثلث أعضائه من قبل الرئيس خلال 60 يومًا، بينما سيتم انتخاب بقية الأعضاء من خلال آليات يشرف عليها المجلس الأعلى للانتخابات.
  2. عقد مؤتمر للحوار الوطني: سيتم دعوة ممثلين عن جميع التيارات السياسية والمجتمعية لمناقشة قضايا الدستور والانتخابات وإعادة هيكلة الجيش.
  3. صياغة دستور دائم: سيتم تشكيل لجنة دستورية لصياغة دستور جديد للبلاد، يُفترض أن يحقق العدالة والمساواة بين جميع السوريين.
  4. التحضير للانتخابات: من المتوقع أن تستغرق عملية إعداد الدستور وتنظيم الانتخابات حوالي أربع إلى خمس سنوات.
  5. إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية: سيتم العمل على دمج الفصائل المسلحة في المؤسسات الرسمية بهدف إنشاء جيش وطني موحد.

هل يحقق الإعلان الدستوري الاستقرار؟

رغم أن الإعلان الدستوري يمثل خطوة تنظيمية ضرورية لتحديد ملامح المرحلة الانتقالية، إلا أن الجدل الذي أثاره يعكس حجم التحديات التي تواجه سوريا في سعيها نحو الاستقرار. فبين مخاوف تكريس الحكم الفردي، ورهانات بناء نظام ديمقراطي جديد، يبقى السؤال الأهم: هل سيتم تطبيق هذا الإعلان بطريقة تضمن تحولًا سياسيًا حقيقيًا، أم أنه سيكون مجرد وسيلة لإعادة إنتاج النظام السابق؟

في ظل هذه المعطيات، تترقب الأوساط المحلية والدولية ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا خلال السنوات القادمة، وما إذا كانت المرحلة الانتقالية ستفضي إلى نظام ديمقراطي مستدام، أم أنها ستكرّس واقعًا سياسيًا مشابهاً للمراحل السابقة.

 

 

محتوى ذو صلة

آخر المقالات

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?