تصاعد الغضب الشعبي في إسرائيل، وتحديداً من قبل أسر الرهائن المحتجزين في قطاع غزة، يعكس تحوّلاً لافتاً في الرأي العام بعد مرور 20 شهراً على اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس”. التظاهرات الحاشدة في “ساحة الرهائن” بتل أبيب، والتي تحولت إلى رمز لمأساة العائلات التي لا تزال تنتظر أبناءها، تؤكد أن الصبر بدأ ينفد وأن الألم الشخصي بدأ يتجاوز الحسابات السياسية والعسكرية.
تدهور معنويات الجيش الإسرائيلي
هذا الغضب لا يعبّر فقط عن حزن وقلق، بل عن حالة من التمرّد المتنامي على القيادة الإسرائيلية، وتحديداً على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي تتهمه هذه العائلات بشكل متزايد بالفشل في إعادة أحبائهم إلى الديار. النداءات العاطفية من أباء وأمهات وأبناء الرهائن، مثل نوعام كاتس وتال كوبرشتاين، تعبّر بوضوح عن فقدان الثقة في استراتيجية الحرب، وخصوصاً بعد تأكيد وفاة عدد من الرهائن في غزة، واستمرار المعارك دون تحقيق اختراق حقيقي في المفاوضات.
ما يزيد من وقع هذه المطالب هو التدهور الواضح في معنويات الجيش الإسرائيلي نفسه، مع إعلان مقتل أربعة جنود إضافيين، واعتراف رسمي من الجيش بنقص قوامه بحدود 10 آلاف جندي لتغطية العمليات المستمرة في غزة. هذا الواقع العسكري يعزز من حُجّة المتظاهرين، الذين يرون أن استمرار القتال لا يؤدي إلا لمزيد من الخسائر البشرية دون نتيجة ملموسة على صعيد تحرير الرهائن.
إجبار نتنياهو على وقف إطلاق النار
رغم أن المظاهرات وحدها قد لا تكون كافية لفرض تغيير فوري في السياسات العليا، إلا أن استمرارها وتصاعدها في هذا التوقيت بالذات يشكل ضغطاً شعبياً حقيقياً. إن الحراك الذي تقوده “منتدى العائلات”، والذي يحظى بتعاطف شعبي واسع، بدأ يتحول إلى كرة ثلج قد تؤثر على التوازنات السياسية، خصوصاً في ظل التراجع الشعبي الكبير الذي يعاني منه نتنياهو واستمرار الجمود في المفاوضات التي ترعاها مصر وقطر والولايات المتحدة.
إذا استمر هذا الضغط الجماهيري وتوسّع نطاقه ليشمل شرائح أخرى من المجتمع الإسرائيلي، خصوصاً مع دخول جهات سياسية معارضة على الخط، فسيصبح من الصعب على الحكومة تجاهله، وقد يُضطر نتنياهو إلى القبول باتفاق لوقف إطلاق النار، ولو مؤقتاً، لإعادة الرهائن المتبقين، في محاولة لإنقاذ شعبيته المتدهورة والرد على الانتقادات المتزايدة من الداخل والخارج.
بالتالي، فإن هذه التظاهرات ليست فقط تعبيراً عن الحزن، بل هي في طريقها لتكون أداة ضغط سياسي حقيقية قد تسهم في إحداث تحوّل استراتيجي في الموقف الإسرائيلي من الحرب المستمرة على غزة.