أعلنت وزارة الخارجية الأميركية رسميًا إلغاء تصنيف “جبهة النصرة” – المعروفة حالياً باسم “هيئة تحرير الشام” – كمنظمة إرهابية أجنبية، في قرار يُنظر إليه على أنه تحوّل لافت في السياسة الأميركية تجاه الملف السوري، وخصوصاً تجاه الجماعات المسلحة التي كانت ذات يوم في قلب العقوبات الدولية.
قرار نافذ اعتبارًا من الثلاثاء
جاء الإعلان عبر بيان رسمي صدر عن الخارجية الأميركية، وأوضحت فيه أن القرار وقّعه وزير الخارجية ماركو روبيو في 23 يونيو/حزيران الماضي، على أن يدخل حيّز التنفيذ بعد نشره في السجل الفيدرالي اليوم الثلاثاء، 8 يوليو/تموز 2025.
وأكدت الوزارة أن هذا الإجراء اتُخذ “بالتشاور مع المدعي العام ووزير الخزانة”، وشمل الكيانات المرتبطة بالجبهة بمختلف مسمياتها، بما في ذلك “هيئة تحرير الشام”، وألقابها وتنظيماتها الفرعية.
مضمون القرار وتأثيراته الفورية
رفع التصنيف يعني عملياً إلغاء القيود التي كانت مفروضة على الهيئة من حيث تجميد الأصول، وحظر التعاملات المالية، واعتبار الانتماء لها أو دعمها جريمة بموجب القانون الأميركي. ووفقاً للبيان، يأتي القرار بموجب المادة 219 من قانون الهجرة والجنسية الأميركي، والتي تتيح لوزير الخارجية سلطة مراجعة وإلغاء التصنيفات السابقة إذا ما ثبت أن “الظروف التي أدت إلى التصنيف قد تغيرت، أو إذا اقتضت مصلحة الأمن القومي الأميركي ذلك”.
السياق السياسي: بين الأمن القومي وملف العقوبات السورية
يتزامن هذا القرار مع حراك أوسع في السياسة الأميركية تجاه الملف السوري. فقبل أيام فقط، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا ينهي بموجبه حزمة من العقوبات المفروضة على سوريا، وفوض بموجبه وزير الخارجية بالتعاون مع وزير الخزانة والنائب العام لاتخاذ الإجراءات اللازمة فيما يتعلق بتصنيفات “جبهة النصرة”، وقيادتها، وعلى رأسها أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع).
وتعزز هذه الخطوة التقديرات التي تشير إلى أن واشنطن ربما باتت ترى في “هيئة تحرير الشام” فاعلًا سياسيًا يمكن التعامل معه في مرحلة ما بعد بشار الأسد، خاصة بعد أن تراجعت بشكل كبير الارتباطات العملياتية بين الهيئة وتنظيم القاعدة، والتي كانت السبب الرئيس في تصنيفها على قوائم الإرهاب عام 2012.
من منظمة إرهابية إلى فاعل محلي؟
يُذكر أن جبهة النصرة أُدرجت في 11 ديسمبر/كانون الأول 2012 على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية، في عهد إدارة أوباما، بعد تقارير استخباراتية أكدت تبعيتها لتنظيم القاعدة في بلاد الشام، قبل أن تعلن لاحقًا انفصالها عن التنظيم وتغيير اسمها إلى “فتح الشام”، ومن ثم إلى “هيئة تحرير الشام”.
لكن وعلى الرغم من تغيير الاسم والخطاب، أبقت واشنطن تصنيفها ضمن لائحة المنظمات المرتبطة بالقاعدة، واستمرت العقوبات التي طالت شخصيات قيادية، وعلى رأسهم الجولاني، الذي رُصدت مكافأة أميركية قدرها 10 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقاله.
ماذا بعد؟
برفع هذا التصنيف، تُفتح أمام الهيئة – نظريًا – أبواب جديدة للتعامل السياسي والمالي، داخليًا وخارجيًا، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرتها شمال غرب سوريا. غير أن المسار العملي لأي انفتاح على الهيئة سيبقى مرهونًا بمواقف باقي الأطراف الدولية، لا سيما الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، حيث لا تزال الهيئة مدرجة على قوائم الإرهاب لدى عدد من الدول.
ويبقى السؤال الأكبر: هل تعني هذه الخطوة تحوّلًا استراتيجيًا في الموقف الأميركي من المعارضة السورية المسلحة؟ أم أنها مجرّد إجراء قانوني تكتيكي ضمن سياق أوسع لتعديل العقوبات وإعادة هيكلة النفوذ في سوريا ما بعد الأسد؟