يتزامن اقتراب موعد امتحانات الثانوية العامة مع تجدد معاناة آلاف الطلبة الفلسطينيين من الداخل المحتل، الذين يقفون سنويًا أمام خيارات محدودة ومريرة في مسيرتهم التعليمية. على الرغم من حملهم الهوية “الإسرائيلية” الزرقاء، إلا أن النظام التعليمي الإسرائيلي يتعامل معهم كفئة من الدرجة الثانية، ويضع أمامهم حواجز بنيوية وثقافية تعيق فرصهم في الالتحاق بالجامعات الإسرائيلية، خاصة في التخصصات الحيوية كالطب والصيدلة والهندسة.
إقصاء الطلبة العرب
امتحان “البسيخومتري”، الذي يُعد البوابة الأساسية للجامعات الإسرائيلية، يتحول إلى أداة إقصاء ناعمة ضد الطلبة العرب. الامتحان مبني على أسس ثقافية ولغوية تصب في مصلحة الطالب اليهودي، مما يضع الطالب العربي أمام عبء مضاعف: اجتياز اختبار بلغة غير لغته، وبمنظومة معرفية لا تعبر عن بيئته الاجتماعية، فضلاً عن تحيّز منهجي واضح. الفرق في النتائج، والذي قد يصل إلى 100 نقطة، ليس ناتجًا عن ضعف أكاديمي، بل عن تصميم مقصود يكرّس الفجوة التعليمية.
في هذا السياق، تبدو الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية خيارًا طبيعيًا، بل ملاذًا أكاديميًا وإنسانيًا، لهؤلاء الطلبة. يختارونها ليس فقط للهروب من السياسات العنصرية، بل أيضًا بحثًا عن بيئة تعليمية أكثر عدالة واحتواء لهويتهم. جامعة بيت لحم، على سبيل المثال، تستقطب أعدادًا متزايدة من طلبة الداخل، لا سيما في التخصصات الطبية والعلاجية، حيث يجد الطالب فيها احترامًا لذاته واعترافًا بكرامته، إضافة إلى الإعفاء من شرط “البسيخومتري” المجحف.
سياسات تمييزية ممنهجة
لكن هذا الخيار ليس خاليًا من التحديات. فسلطات الاحتلال لا تعترف بعدد كبير من الشهادات الصادرة عن الجامعات الفلسطينية، ما يجعل الطالب مجبرًا على اختيار تخصصات محددة تقبل بها إسرائيل، كحال فرح زيدان الذي اختار التمريض لهذا السبب. كما أن المواصلات، والحواجز العسكرية، والقيود الأمنية، تضيف مشقة يومية لرحلة التعليم.
المعاناة لا تقف عند حدود القبول الجامعي، بل تمتد إلى مرحلة ما بعد الدراسة، حيث يواجه الخريجون صعوبات في معادلة شهاداتهم، والاندماج في سوق العمل الإسرائيلي، الذي يتسم بسياسات تمييزية ممنهجة. ومؤخرًا، بدأت سلطات الاحتلال بالضغط على الجامعات الفلسطينية لمنعها من تقديم التدريب الميداني لطلبة الداخل، خاصة في القدس، في محاولة للحد من الإقبال المتزايد عليها.
قرارات مصيرية
هذا الواقع يضع الطلبة الفلسطينيين أمام معادلة قاسية: إما الخضوع لنظام تعليمي يهمّشهم ثقافيًا ويُقصيهم مهنيًا، أو تحمل أعباء السفر والاغتراب الداخلي للحصول على تعليم يحترم إنسانيتهم. في كلتا الحالتين، يدفع الطالب الفلسطيني الثمن من راحته النفسية، ومن سنوات عمره، في معركة يومية من أجل حق طبيعي وأساسي، هو التعليم.
إن اقتراب امتحانات الثانوية العامة لا يعني فقط الدخول في سباق الدرجات، بل هو بداية لمواجهة قرارات مصيرية تحدد ملامح المستقبل. ومع استمرار السياسات الإسرائيلية التمييزية، تظل الحاجة ملحة لبناء منظومة تعليمية بديلة ومحمية في الداخل، تضمن للطلبة الفلسطينيين تعليمًا عادلًا، غير مشروط بالولاء السياسي، ولا خاضعًا للمصادرة الثقافية.