في خيمةٍ متواضعة نُصبت على أطراف أحد شوارع مدينة غزة المنكوبة، تجلس وهيبة محيسن، امرأة في الأربعين من عمرها، تحتضن ما تبقى من عالمها: ثلاثة أطفال تملأ وجوههم علامات الخوف والجوع، بعد أن اختطف العدوان الإسرائيلي منها زوجها وثلاثة من أبنائها. لم تعد وهيبة تعرف طعم النوم منذ ذلك اليوم المشؤوم، حين دوّى الانفجار قرب منزلهم، وحوّل حياة العائلة إلى ركام وذكرى.
أرملة منهكة تكافح للبقاء
“كأن قلبي انفجر معهم”، تهمس وهيبة وهي تحدق في الفراغ، صوتها متهدّج، لا ترفع عينيها عن صورة قديمة تجمعها بزوجها وأطفالها، التقطتها قبل الحرب بأشهر، في لحظة سلام بدت حينها عادية، لكنها اليوم كنزها الوحيد. لم تكن تتخيل أن تفقد كل شيء دفعة واحدة، وأن تتحوّل من ربة منزل تهتم بتفاصيل حياة أبنائها إلى أرملة منهكة تكافح للبقاء على قيد الحياة في خيمة لا تقي من حرّ النهار ولا برد الليل.
معاناة وهيبة لا تقف عند حدود الفقد. فمنذ آذار/ مارس الماضي، يعيش سكان غزة حصارًا مطبقًا بعد إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات، ما جعل الحصول على الطعام أو الدواء ضربًا من المستحيل. تقول وهيبة: “نعيش على ما نجده من فتات. لا طحين، لا ماء نظيف، لا حليب للصغار. أحيانًا أبكي فقط لأني لا أستطيع أن أطعم أطفالي، وهذا أشد ألمًا من أي قصف”.
طابور الانتظار
ابنتها الصغيرة، لمى، لم تتجاوز السادسة من عمرها، تعاني من سوء التغذية، وأصبح جسدها نحيلاً بشكل مفزع. حاولت وهيبة نقلها إلى مركز صحي ميداني، لكن المسافة كانت طويلة، وخطر القصف يحاصر كل حركة. “أشعر أنني أموت في كل لحظة أراها تتألم ولا أقدر على مساعدتها”، تقول الأم وهي تمسح دمعة سقطت بلا استئذان.
لم يعد لهيبة حلم سوى البقاء. لم تعد تفكر في الغد، أو في مستقبل أطفالها. جل ما تطلبه اليوم هو وجبة طعام تسد جوع أولادها، ومأوى يحميهم من الغارات، ودواء يخفف آلام ابنتها. تلك التي كانوا يحبونها قبل أن يعرفوا معنى الحرب.
تقول وهيبة أخيرًا: “خسرت رجلاً كان سندي، وأطفالاً كانوا روحي، لكن ما زلت أمًا، وسأبقى ما حييت أحارب لأجل من تبقى”. كلماتها تختصر وجع أمة، وأمل امرأة تكابر الموت من أجل الحياة.