في خطوة تعكس التوجه الجاد نحو التنمية الشاملة وتحديث البنية التحتية، أعلنت الجزائر عن تنفيذ 50 مشروعًا استراتيجيًا بكلفة تتجاوز 50 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل نحو 6.4 تريليون دينار جزائري، ضمن خطة وطنية طموحة لتسريع وتيرة التحديث الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
جاء ذلك على لسان المدير العام للصندوق الوطني للتجهيز من أجل التنمية، محمد سليم تليجي، الذي أوضح أن هذه المشاريع موزعة على عدة قطاعات حيوية، وتمثل ركيزة أساسية في التحول الهيكلي الذي تسعى إليه الجزائر خلال السنوات القادمة.
33 مشروعًا للأشغال العمومية.. شبكة طرق وحديد حديثة تربط الجزائر المستقبل
يستحوذ قطاع الأشغال العمومية على النصيب الأكبر من هذه المشاريع، حيث يتم تنفيذ 33 مشروعًا يتركّز أغلبها على تطوير الطرق السريعة، وخطوط السكك الحديدية، وشبكات الترام والمترو، في مختلف مناطق البلاد.
تهدف هذه المشاريع إلى تعزيز الربط بين الولايات، وتيسير حركة النقل الداخلي والخارجي، خاصة في ظل تنامي النشاط الصناعي والخدماتي، ما يُعدّ خطوة محورية في رفع كفاءة اللوجستيات الوطنية وتحفيز الاستثمارات.
تحلية المياه وبناء السدود.. الأمن المائي على رأس الأولويات
ضمن جهود الحكومة لضمان الأمن المائي ومجابهة التحديات المناخية، تشمل الخطة 11 مشروعًا في قطاعات الري والمياه، من بينها محطات لتحلية مياه البحر، وبناء سدود استراتيجية لتخزين المياه وتنظيم استخدامها، خاصة في المناطق التي تعاني من شح الموارد المائية.
هذه المشروعات تندرج ضمن رؤية مستقبلية تسعى إلى تحويل الجزائر إلى نموذج إقليمي في إدارة الموارد الطبيعية، وضمان استدامة التنمية في المناطق السكنية والزراعية.
مدن جديدة وسكن ميسر.. 6 مشروعات عمرانية لتلبية الطلب المتزايد
ولم تغب عن خطة التنمية مسألة الإسكان والعمران، حيث كشف تليجي عن تنفيذ 6 مشروعات كبرى في هذا القطاع، تتضمن بناء مدن جديدة ومرافق عمومية وخدمات حضرية متكاملة، لمواجهة الطلب المتزايد على السكن، وتحقيق العدالة المجالية في توزيع المشاريع السكنية.
وأكد أن هذه المشاريع تركز على الجوانب البيئية والاقتصادية معًا، بما يحقق تنمية حضرية متوازنة ومستدامة.
الشراكة بين القطاعين العام والخاص.. آلية تمويل بديلة تدفع عجلة التنمية
أشار تليجي إلى أن الصندوق الوطني للتجهيز من أجل التنمية يسعى إلى تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)، باعتبارها آلية بديلة لتمويل المشاريع الكبرى دون إثقال كاهل الخزينة العامة، خاصة في ظل سعي الجزائر لتنويع مصادر دخلها وفك الارتباط التدريجي بعائدات النفط.
وتشكل هذه الشراكة أحد المحاور الأساسية في الإصلاحات الهيكلية التي تعمل عليها الدولة، والتي تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني، وفتح المجال أمام الاستثمارات الوطنية والأجنبية في مختلف القطاعات.
تاريخ من الخبرة.. الصندوق الوطني يراكم التجربة منذ 2006
منذ تأسيسه عام 2006، راكم الصندوق الوطني للتجهيز خبرة كبيرة، حيث درس أكثر من 180 ملفًا لمشروعات كبرى، وقام في عام 2024 فقط بالإشراف على 30 دراسة لمشروعات جديدة، تشمل 20 منشأة كبرى.
هذا التراكم المعرفي والإداري يمنح الجزائر قاعدة مؤسسية قوية لدفع مشروعات البنية التحتية وفق معايير حديثة للحوكمة والكفاءة والرقابة على التكاليف، كما أكد المدير العام.
نقلة نوعية في التنمية الجزائرية
يمثل إطلاق هذه الحزمة الضخمة من المشاريع العملاقة تحولًا نوعيًا في مسار التنمية الجزائرية، ويعكس إرادة سياسية واقتصادية واضحة لتأهيل البلاد لدخول مرحلة جديدة، أكثر استقرارًا وتنوعًا وقدرة على المنافسة.
ومع استمرار تنفيذ هذه المشاريع، تترقب الأوساط الاقتصادية في الجزائر والمنطقة آثارها الإيجابية، سواء على صعيد التشغيل، أو جودة الحياة، أو جذب الاستثمارات، في وقت تواصل فيه الجزائر خطواتها بثبات نحو المستقبل.