يشير التصريح الصادر عن أمين سر حركة فتح في هولندا، زيد تيم، إلى تحوّل لافت ومتصاعد في موقف عدد من الدول الأوروبية تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، خاصةً فيما يتعلق باستخدام الاحتلال لأساليب وصفت بـ”الإبادة” و”آلة التجويع”. هذا التحول لا يُعدّ مجرد تبدل بسيط في اللغة الدبلوماسية، بل يعكس – كما يبدو – حالة استفاقة سياسية وأخلاقية لضمير بعض القوى الأوروبية، التي كانت حتى وقت قريب تعتبر نفسها حليفة تقليدية لإسرائيل.
توازنات أخلاقية واستراتيجية
اللافت في هذا التحول أنه بدأ يأخذ طابعًا مؤسسيًا. لم تعد المواقف تقتصر على أصوات فردية أو منظمات حقوقية، بل بدأت تظهر على لسان وزراء خارجية وبرلمانات في دول محورية مثل فرنسا، إسبانيا، بريطانيا، بلجيكا وهولندا. هذا ما يمنحه وزنًا أكبر على الساحة الدولية، حيث تتبلور قرارات السياسة الخارجية في العواصم الأوروبية الكبرى بناءً على توازنات أخلاقية واستراتيجية.
“تيم” أشار بوضوح إلى أن هناك “اكتشافًا” أوروبيًا لمخادعة نتنياهو للمجتمع الدولي، لا سيما في ملف إدخال المساعدات إلى غزة. حين يتحدث مسؤول فلسطيني عن دخول 9 شاحنات فقط – في ظل كارثة إنسانية بهذا الحجم – فإنه يسلط الضوء على الهوة بين الخطاب الإسرائيلي المعلن والممارسة الواقعية على الأرض. وهذا التباين أصبح محل شك واسع حتى في دوائر القرار الأوروبية، التي بدأت تعي أن استمرار الدعم غير المشروط لإسرائيل قد يعني التورط، ولو ضمنيًا، في جرائم ضد الإنسانية.
قطع العلاقات وحظر الأسلحة
الموقف الإسباني كان الأبرز مؤخرًا، حيث اتجه البرلمان إلى خطوات عملية من خلال الدعوة لقطع العلاقات وحظر الأسلحة، ما يمثل كسرًا واضحًا لـ”تابو” سياسي كان يحظر المساس بالعلاقة الأمنية مع إسرائيل. ويتمنى الفلسطينيون، حسب تيم، أن يكون هذا بداية لتحول أوسع يشمل المزيد من الدول الأوروبية.
وليس من المستبعد أن يؤدي تصاعد الوعي الجماهيري في الشارع الأوروبي، خاصةً بعد مشاهد المجازر والتجويع، إلى ضغط داخلي على الحكومات لاتخاذ مواقف أكثر حزمًا.
دلالات استراتيجية
من جهة أخرى، فإن هذا التحول الأوروبي، وإن بدا بطيئًا ومتفاوتًا بين دولة وأخرى، فإنه يحمل دلالات استراتيجية مهمة. أولاً، إنه يقوّض الرواية الإسرائيلية التي تعتمد على الدعم الغربي غير المشروط. ثانيًا، إنه يفتح الباب أمام مقاربة جديدة في التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تقوم على أساس الحقوق والعدالة وليس فقط على الاعتبارات الجيوسياسية.
التصريحات مثل التي أدلى بها زيد تيم تعكس نبرة أمل مشوبة بالحذر، لكنها تسجل نقطة مهمة: هناك إرهاصات لتحول أوروبي قد لا يكون سريعًا أو شاملاً بعد، لكنه يتقدم بثبات نحو إعادة قراءة العلاقة مع إسرائيل في ضوء الجرائم المرتكبة في غزة.