في ضوء التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة الإسرائيلية-الفلسطينية، يبدو أن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعادة جثتي الرهينتين الإسرائيليتين من قطاع غزة لا يأتي فقط كخبر أمني أو إنساني بحت، بل يحمل أبعادًا سياسية وأمنية عميقة، في وقت يواجه فيه نتنياهو ضغطًا شعبيًا وسياسيًا متصاعدًا داخل إسرائيل.
استعادة جثتي غادي هاغاي وزوجته جودي واينستين-هاغاي، رغم أنها لا تُنهي مأساة عائلتهما، إلا أنها تُوظف بشكل واضح كجزء من خطاب نتنياهو لإعادة توجيه الرأي العام الإسرائيلي نحو «الإنجازات» الميدانية، وسط تراجع ثقة الشارع بالحكومة الحالية بسبب استمرار الحرب، وطول أمد احتجاز الرهائن، والخسائر البشرية الباهظة في غزة.
ورقة “النصر الرمزي” في يد نتنياهو
نتنياهو يعلم تمامًا أن الرأي العام الإسرائيلي يعيش حالة من الغضب المكبوت، خاصة بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على هجوم 7 أكتوبر، والذي يُعد الحدث الأكثر زلزلة في تاريخ الأمن القومي الإسرائيلي منذ قيام الدولة. لا يزال أكثر من خمسين رهينة في قبضة حماس، والعديد من العائلات تطالب بإجابات ومساءلة واضحة، لا سيما مع تكرار عمليات عسكرية مكثفة لم تُسفر عن عودة هؤلاء الرهائن.
في هذا السياق، يمكن فهم إعلان استعادة الجثتين كجزء من محاولة لصناعة لحظة انتصار معنوي وسط ضباب الخسائر. فحتى وإن لم تكن عملية إنقاذ لأحياء، فإن مجرد استعادة جثث رهائن تعتبر، في الخطاب الإسرائيلي الرسمي، فعل “كرامة قومية”، وتُقدَّم كدليل على التزام الحكومة بجلب “أبنائها” إلى الوطن مهما كانت التضحيات.
أداة سياسية في توقيت حساس
هذا الإعلان يأتي في ظل أجواء سياسية داخلية خانقة لنتنياهو، حيث يواجه ضغوطًا من عائلات الرهائن، ومطالبات متكررة بإبرام اتفاق تبادل شامل مع حماس، وهو ما يرفضه رئيس الوزراء حتى الآن، متمسكًا بخيار الحسم العسكري الكامل. وبالتالي، فإن هذا النوع من العمليات يُستخدم لإعادة إنتاج سردية “الحسم”، مع الإيحاء بأن الجيش والمخابرات يحققان تقدمًا ميدانيًا حتى في أكثر المهام تعقيدًا.
لكن الواقع يظل أكثر تعقيدًا: استعادة جثتين لا تُغير شيئًا جوهريًا في معادلة الحرب، ولا تقلل من وطأة استمرار معاناة الرهائن الأحياء أو الضغط الدولي المتصاعد على إسرائيل بسبب الكارثة الإنسانية في غزة.
الخطاب العاطفي والاستثمار الرمزي
الحديث عن أن الزوجين كانا “مكرسين للسلام والأخوة”، وأن أحدهما “رجل متعلق بالأرض”، ليس محض صدفة. بل هو جزء من الخطاب العاطفي الذي يهدف إلى تعظيم الرمزية الوطنية لهذه الحادثة، في محاولة لتضخيم القيمة المعنوية للعملية، وتقديمها كفعل إنساني وبطولي في آنٍ معًا.
نتنياهو لا يُفوّت فرصة لتحويل أي تطور ميداني إلى رصيد سياسي، خاصة في لحظة أزمة. واستعادة الجثتين لا تشذ عن هذه القاعدة، بل تُستثمر بشكل واضح لصناعة صورة “القيادة المصممة على عدم ترك أحد خلفها”، حتى ولو كانوا جثثًا. لكن ما قد يراه البعض “نصرًا رمزيًا”، يراه آخرون مجرد تجميل للواقع المرير، وتوظيفًا سياسيًا لمأساة لا تزال مستمرة، ولا مؤشرات على قرب انتهائها.
ووسط هذه الصورة المأساوية، يظل السؤال مفتوحًا: إلى متى يمكن لنتنياهو أن يُراهن على هذه “الرمزيات”، دون أن يدفع ثمن فشل استراتيجي في إنهاء الحرب أو استعادة الرهائن أحياء؟