تصريحات أفيغدور ليبرمان حول قيام إسرائيل، بأوامر مباشرة من بنيامين نتنياهو، بتسليح عصابات إجرامية داخل قطاع غزة، تمثل تحولًا صادمًا في منسوب الوقاحة السياسية والعسكرية في إدارة الحرب الجارية على غزة، كما أنها تكشف عن مستوى من الانحراف الأخلاقي والاستراتيجي لم يعد من الممكن تغطيته بشعارات “مكافحة الإرهاب”.
ما قاله ليبرمان لا يُعد تسريبًا عرضيًا أو زلة لسان، بل هو إدانة صريحة ومباشرة لرئيس وزراء إسرائيل، تشير إلى أن الدولة نفسها ساهمت عمدًا في تفكيك النسيج الداخلي الفلسطيني، عبر خلق كيانات مسلحة موازية وفوضوية داخل غزة.
نتنياهو يمول ميليشيات لاستهداف المدنيين
الدلالة الأولى والأكثر خطورة أن إسرائيل، بحسب كلام ليبرمان، لم تعد تكتفي بالقصف والتدمير، بل تسعى لتفجير غزة من الداخل عبر أدوات تتشابه تمامًا مع استراتيجيات دول مارست الفوضى الخلاقة بتمويل ميليشيات محلية لخدمة أهدافها السياسية. وجود “عصابات إجرامية” تعمل تحت حماية الجيش الإسرائيلي وتنهب المساعدات، يُحوّل معاناة الفلسطينيين إلى مشهد مزدوج من الجوع والخوف، ويقوّض ما تبقى من تماسك اجتماعي داخل القطاع المنكوب.
ثانيًا، هذه التصريحات تعني أن إسرائيل تنتهك بشكل واضح قواعد القانون الدولي الإنساني، وتتصرف ككيان مارق يُسلّح مجموعات غير رسمية داخل منطقة مدنية تحت الحصار، من دون أي رقابة أو مساءلة، ما يفتح الباب أمام اتهامات جديدة في المحكمة الجنائية الدولية. وإذا ثبت بالفعل أن هذا القرار اتُخذ من نتنياهو دون مصادقة رسمية من المجلس الوزاري المصغر، فإننا أمام جريمة مزدوجة: الأولى بحق الفلسطينيين، والثانية بحق مؤسسات الحكم الإسرائيلية نفسها.
انفجار غير متوقع داخل إسرائيل
ثالثًا، ما قاله ليبرمان يعكس وجود انقسام داخلي حاد داخل الطبقة السياسية الإسرائيلية، حيث يسعى خصوم نتنياهو لتقويضه حتى لو كان ذلك بالكشف عن قرارات عسكرية بالغة الخطورة. لكن بغض النظر عن خلفيات ليبرمان السياسية، فإن تصريحاته توثق بشكل غير مسبوق تورط الحكومة في سياسات قد تقود إلى انفجار غير متوقع داخل إسرائيل نفسها، إذا ما قررت هذه العصابات لاحقًا توجيه أسلحتها ضد الجهة التي سلّحتها، كما حذر هو نفسه.
رابعًا، ما يحدث يعزز من مصداقية روايات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الذي لطالما أشار إلى وجود جماعات مسلحة تُهاجم الفلسطينيين وتنهب المساعدات، وكان يُتهم بالمبالغة. الآن، يأتي ليبرمان، من قلب المؤسسة السياسية الإسرائيلية، ليؤكد أن هذه العصابات ليست مجرد فوضى محلية، بل أدوات تم صناعتها ودعمها من الداخل الإسرائيلي.
أين القانون الدولي؟
خامسًا، هذه الاعترافات تُعرّي الصورة الأخلاقية التي تحاول إسرائيل رسمها لنفسها أمام المجتمع الدولي، وتُعيد تعريف الحرب الجارية في غزة على أنها حرب موجهة ليس فقط ضد حركة حماس، بل ضد البنية المجتمعية للفلسطينيين، عبر تجويعهم، وقصفهم، وتسليح من ينهبهم ويُرهبهم في وضح النهار.
هذه التصريحات، إذا لم تلقَ صدىً دوليًا من حيث التحقيق والمساءلة، فإن ذلك يُشرعن فكرة أن القانون الدولي لا يُطبَّق إلا على الضعفاء، ويمنح الضوء الأخضر لإسرائيل بمواصلة جرائمها بحصانة كاملة. والأخطر من ذلك، أن هذا الأسلوب قد يُصبح نموذجًا مكررًا في ساحات نزاع أخرى، حيث يتم صناعة “داعش جديدة” على يد دول تدّعي محاربة الإرهاب، بينما تمارسه بصيغة مختلفة وأكثر خبثًا.