تأثير إغلاق المعابر الحدودية الفلسطينية، وعلى رأسها معبر الكرامة، يتجاوز كونه مجرد أزمة في حرية التنقل، ليصبح انعكاساً مباشراً لتدهور الحياة اليومية للفلسطينيين وضرباً لمقومات الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. فعندما تعلن الإدارة العامة للمعابر أن العمل قائم “دون جدول زمني محدد”، فإن ذلك لا يعني فقط غموضاً في التنظيم، بل يعكس حالة طوارئ دائمة يعيشها المواطن الفلسطيني، غير قادر على التنبؤ بيومه أو تخطيط تحركاته، سواء لأغراض العلاج أو التعليم أو العمل أو حتى لقاء العائلة.
معاناة الفلسطينيين بسبب إغلاق المعابر
هذا الوضع يُكبّد آلاف المواطنين معاناة نفسية ومادية مستمرة. فالمسافر الفلسطيني، خاصة من الضفة الغربية، الذي اعتاد المرور عبر معبر الكرامة إلى الأردن ومن ثم إلى بقية العالم، يجد نفسه اليوم محاصراً داخل حدود ضيقة، محروماً من التنقل الآمن والمنتظم. المرضى الذين يحتاجون للعلاج خارج فلسطين باتوا يواجهون تأخيرات قد تكون قاتلة، والطلاب المبتعثون يعانون من ضياع فرصهم بسبب عدم اليقين في مواعيد السفر. أما العمال والتجار، فهم أكثر من يدفع الثمن الاقتصادي لهذا الإغلاق أو التشغيل غير المنتظم.
في السياق الاقتصادي، تتجلى التداعيات بصورة أشد قسوة. فالمعابر تشكّل شرايين الاقتصاد الفلسطيني، خاصة مع انسداد الأفق الداخلي وافتقار السوق المحلي للقدرة على الاكتفاء الذاتي. حركة التجارة، سواء الواردات أو الصادرات، تتأثر مباشرة بإغلاق أو تعطيل المعابر، إذ تتأخر الشحنات، وتتلف البضائع، وترتفع كلفة النقل بسبب عدم انتظام العمل والمعوقات اللوجستية. وكل ذلك يُضاعف من أعباء الاقتصاد الفلسطيني المثقل أساساً بالقيود الإسرائيلية وسيطرة الاحتلال على المعابر والمنافذ.
ورقة ضغط سياسية وعقابية
ويزيد من حدة الأزمة، أن الإغلاق أو تقييد المعابر لا يأتي فقط كنتيجة طبيعية للوضع الأمني، بل يُستخدم أحياناً كورقة ضغط سياسية أو عقابية، تُمارس على المواطن قبل السياسي، وعلى الاقتصاد قبل السلطة. وغالباً ما تكون هذه القيود بلا جدول زمني واضح أو نهاية قريبة، مما يجعل أي تخطيط مستقبلي، سواء للأفراد أو للشركات، أمراً بالغ الصعوبة.
كما أن هذا الإرباك المستمر في عمل المعابر يعمق من فقدان الثقة في المؤسسات والجهات المسؤولة، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الإدارة العامة للمعابر لتقديم المعلومات المحدثة والتعامل مع المستجدات. المواطن الفلسطيني، في ظل هذا الوضع، يشعر أنه رهينة لتقلبات سياسية وأمنية لا يد له فيها، ويجد نفسه يدفع كلفة يومية من وقته وأعصابه ورزقه.
عزل الشعب الفلسطيني
يبقى تأثير إغلاق المعابر انعكاساً حاداً لواقع الاحتلال، حيث لا تُدار المعابر كجسور إنسانية، بل كسلاح بطيء التأثير، يعمق من عزلة الشعب الفلسطيني ويخنق حركته وتنميته. والحل لن يكون في مجرّد تحسين تنظيم المعابر، بل في ضمان سيادة فلسطينية حقيقية على هذه المنافذ، تضمن حرية الحركة للمواطنين والبضائع، بعيداً عن منطق الحصار والتحكم السياسي.