في خضم الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها قطاع غزة جرّاء العدوان المستمر والحصار الطويل الأمد، تأتي جهود الحكومة الفلسطينية كمحاولة متواصلة لتعزيز صمود المواطنين، رغم التحديات الهائلة المفروضة على الأرض. ومن بين أبرز هذه المبادرات، تبرز حملة “دمنا واحد” التي وصلت مؤخراً إلى جولتها السادسة، في خطوة رمزية وعملية تعكس حجم التلاحم الوطني بين شطري الوطن، وتترجم وحدة المصير والهمّ الفلسطيني المشترك.
المستلزمات الطبية والدم تحديًا وجوديًا
إعلان وزير الصحة الفلسطيني ماجد أبو رمضان عن وصول 3500 وحدة دم وبلازما إلى مستشفى ناصر في القطاع، لا يقتصر على كونه مساعدة طبية عاجلة، بل يُعدّ بُعداً استراتيجياً في مسار تثبيت المواطنين في أماكنهم، ودعم النظام الصحي المتهالك تحت وطأة القصف ونقص الإمكانيات. في ظل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ سنوات، ومع اشتداد العدوان خلال الأشهر الأخيرة، بات الوصول إلى المستلزمات الطبية، وعلى رأسها الدم، تحديًا وجوديًا بالنسبة للمرافق الصحية في غزة، التي تعاني من استنزاف حاد في الموارد البشرية والتقنية.
وتكتسب الحملة، التي أطلقتها وزارة الصحة الفلسطينية يوم 14 يونيو واستمرت أسبوعاً، أهمية مضاعفة بسبب توقيتها، إذ جاءت في ذروة النقص الحاد في وحدات الدم، واستجابةً لحالة الطوارئ الصحية التي تعيشها المستشفيات. ففي سياق العدوان، يتزايد عدد الجرحى والمصابين يوميًا، ومع غياب القدرة على التبرع داخل القطاع بسبب تدهور البنية التحتية، يصبح نقل وحدات الدم من خارج غزة ضرورة لا غنى عنها، بل وفعل مقاومة إنساني يعيد الاعتبار لقيم التضامن الوطني.
مسؤولية الحكومة الفلسطينية
كما تؤشر هذه المبادرة إلى رغبة حقيقية لدى الحكومة الفلسطينية في لعب دور نشط ومباشر، رغم القيود السياسية والجغرافية التي تعيق قدرتها التنفيذية على الأرض في قطاع غزة. فالمساهمة بوحدات الدم ليست فقط دعماً تقنياً، وإنما أيضاً رسالة سياسية وأخلاقية تُظهر أن الحكومة، رغم الانقسام السياسي الممتد، ترى نفسها مسؤولة عن سلامة وصحة مواطنيها في كل مكان، بما في ذلك في قلب المأساة الغزية.
في ذات الوقت، يعكس هذا الجهد فهماً أوسع لدور الصحة كرافعة اجتماعية في تعزيز الصمود. ففي المجتمعات التي ترزح تحت الحصار، تصبح الرعاية الصحية أداة للحفاظ على النسيج الاجتماعي، ووسيلة لتثبيت السكان في أرضهم، ومنعهم من السقوط في هوة الانهيار أو التهجير القسري.
فك الحصار وإدخال المساعدات
إن جهود الحكومة الفلسطينية، وعلى رأسها وزارة الصحة، تظل في كثير من الأحيان محدودة بواقع سياسي معقد وإمكانات لوجستية ضعيفة، لكن نجاحها في إيصال وحدات دم إلى غزة، رغم الحصار والتضييق الإسرائيلي، يُعتبر إنجازاً ينبغي البناء عليه. ومن شأن توسيع مثل هذه المبادرات، بالتوازي مع الضغط الدولي لفك الحصار وإدخال المساعدات، أن يشكل رافعة إضافية في حماية ما تبقى من قدرة القطاع الصحي، ودعم السكان في معركتهم اليومية من أجل البقاء.
وبذلك، لا يمكن فصل حملة “دمنا واحد” عن المشروع الوطني الأوسع، الذي تسعى فيه الحكومة الفلسطينية إلى تعزيز وحدة الشعب رغم التشظي السياسي والجغرافي، وتحويل مبادرات التضامن من مجرد شعارات إلى أدوات فعلية للصمود والبقاء.