وسط الدمار الذي يعصف بقطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف، يتجلى أحد أكبر وجوه المأساة في قطاع التعليم، الذي بات يعاني من انهيار شبه كامل بفعل العدوان المتواصل على البنية التحتية المدنية. فالمدارس لم تعد أماكن للتعلم، بل تحولت إلى ملاجئ مؤقتة أو أهداف للغارات الجوية، فيما حُرم مئات الآلاف من الأطفال من حقهم الأساسي في التعليم، وتوقفت العملية التعليمية بشكل شبه تام في معظم مناطق القطاع.
تدهور التعليم الفلسطيني
في هذا السياق، جاءت حزمة المساعدات الجديدة التي أعلنت عنها الحكومة الإيرلندية بقيمة 4 ملايين يورو لتسلّط الضوء على التدهور الكارثي الذي يعيشه التعليم الفلسطيني. التخصيص الرئيسي للمساعدات، والذي بلغ 3 ملايين يورو لصالح تعليم الأطفال، يعكس إدراكًا أوروبيًا متزايدًا بأن إنقاذ التعليم في فلسطين لم يعد مجرد مسألة تنموية، بل قضية إنسانية ملحّة.
توفير التعليم عن بُعد لـ300 ألف طفل عبر دعم “أونروا” يُعد جهدًا ضروريًا، لكنه يواجه تحديات هائلة؛ فالعديد من الأطفال بلا كهرباء، أو شبكة إنترنت، أو حتى جهاز إلكتروني بسيط يمكنهم من الوصول للمنصات التعليمية. كما أن الأمان النفسي والاجتماعي للطلاب غير متوفر، في ظل بيئة قصف مستمر، ونزوح متكرر، وغياب أي أفق واضح للتهدئة.
ضربة موجهة لمستقبل شعب
الأضرار المادية التي لحقت بالمؤسسات التعليمية جسيمة. عشرات المدارس خرجت من الخدمة كليًا، وبعضها دُمر بالكامل، بينما الأخرى أُعيد استخدامها كملاجئ للنازحين، ما يمنع استئناف الدراسة فيها حتى لو توقفت الحرب. إضافة إلى ذلك، يعاني آلاف المعلمين من صدمة نفسية ونقص في الرواتب والموارد، وهو ما ينعكس سلبًا على جودة التعليم وقدرته على الاستمرار.
تأتي هذه الأزمة ضمن سياق أوسع من التحديات التي تُضعف قدرة المجتمع الفلسطيني على الصمود؛ إذ يشكّل التعليم أحد أعمدة الهوية الوطنية الفلسطينية، ومصدر الأمل الوحيد لجيل يعيش في ظروف حصار وقصف وتجويع. وبذلك، فإن تدمير المدارس والمنظومة التعليمية ليس فقط جريمة في القانون الدولي الإنساني، بل هو ضربة موجهة لمستقبل شعب بأكمله.
ما يحتاجه الفلسطينيون اليوم ليس فقط دعماً ماليًا طارئًا، بل تدخلًا دوليًا سياسيًا يضع حدًا لسياسة العقاب الجماعي، ويفرض حماية حقيقية للمؤسسات التعليمية والمدنية. لأن إعادة بناء التعليم لا تتم عبر الأموال فقط، بل عبر بيئة مستقرة وآمنة تحترم فيها حقوق الأطفال، ويُصان فيها حقهم في التعلم والحياة.