تلوح في الأفق بوادر صفقة تبادل أسرى جديدة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، ضمن اتفاق مرتقب لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مؤشرات تؤكد أن المفاوضات وصلت إلى مراحل متقدمة، لكنها لا تزال تصطدم بعقبات جوهرية تتعلق بهوية الأسرى المشمولين في الصفقة، وخصوصًا الأسرى ذوي الأحكام العالية والمؤبدات.
رفض إدراج اسماء في مفاوضات الأسرى
وفي هذا السياق، كشف عبد الناصر فروانة، مدير وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، أن إسرائيل لا تزال تُصر على عدم إدراج بعض الأسماء البارزة من الأسرى الفلسطينيين، وتحديدًا أولئك المحكومين بالمؤبد أو بأحكام طويلة الأمد، ضمن المرحلة الحالية من الصفقة. ووفقًا لفروانة، فإن نحو 600 أسير من ذوي الأحكام العالية لا يزالون يقبعون في السجون الإسرائيلية، بينهم 300 محكومون بالمؤبد، و17 أسيرًا اعتقلوا قبل اتفاقية أوسلو، ما يجعلهم رموزًا وطنية ذات رمزية سياسية وشعبية كبيرة.
ما يظهر من تصريحات فروانة هو أن التعقيد في المفاوضات لا يكمن في المبدأ العام للصفقة، بل في تفاصيلها الدقيقة، خصوصًا الأسماء التي تمثل ثقلاً تفاوضيًا لكلا الطرفين. إسرائيل، من جهتها، تسعى إلى استخدام بعض هؤلاء الأسرى كورقة تفاوض في جولات لاحقة، وهو ما يُفسَّر على أنه محاولة لكسب وقت أو تحسين شروطها في مرحلة متقدمة من التفاوض، خاصة في ظل الضغوط الدولية المتزايدة التي تطالب بإبرام اتفاق شامل يُنهي المعاناة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة.
هل يتم الإفراج عن مروان البرغوثي
هذه المعطيات تفتح الباب أمام سؤال كبير حول مصير الأسرى البارزين، وعلى رأسهم القيادي في حركة فتح، مروان البرغوثي. فقد أوضح فروانة أن لا معلومات مؤكدة حتى اللحظة بشأن إدراج البرغوثي ضمن الصفقة المرتقبة، وهو ما يعزز الانطباع بأن ملفات بعض الأسرى الكبار قد تُرحّل إلى مراحل تفاوضية لاحقة، إما بسبب تمسك إسرائيل بموقفها الرافض للإفراج عنهم الآن، أو لرغبة الوسطاء في تجزئة الملفات بهدف تسهيل التوصل إلى اتفاق مرحلي دون تعقيدات سياسية كبرى.
من جانب آخر، تحمل التجربة القريبة من المرحلة الأولى من صفقة التبادل، التي جرت في يناير الماضي، إشارات مهمة لفهم المشهد الحالي. آنذاك، أفرجت إسرائيل عن نحو 1800 أسير فلسطيني، أغلبيتهم من قطاع غزة، إلا أن تلك الصفقة لم تستكمل مراحلها، حيث استأنف جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته العسكرية في غزة بعد ما يقرب من شهرين من وقف إطلاق النار، متجاهلًا الالتزامات التي تم التوصل إليها. هذه السابقة تلقي بظلال من الشك على إمكانية تنفيذ اتفاق جديد بشكل كامل، ما لم يكن هناك ضمانات حقيقية وآليات رقابة دولية صارمة.
توظيف ملف الأسرى
المثير في السياق الراهن أن الإعلان عن الصفقة الجديدة يُتوقع أن يتم من خلال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن. وهذا المعطى يضيف بعدًا سياسيًا دوليًا للاتفاق، يتجاوز الإطار الثنائي أو الإقليمي، ويضع القضية في سياق التنافس السياسي الأميركي الإسرائيلي، لا سيما في ظل الحملة الانتخابية الأمريكية. وهنا، تبرز مخاوف مشروعة من توظيف ملف الأسرى ووقف إطلاق النار كورقة انتخابية أو دعاية سياسية، وهو ما قد يؤثر على مصداقية الأطراف وقدرتهم على تنفيذ الاتفاق بحسن نية.
تبدو الصفقة الجديدة أقرب من أي وقت مضى، إلا أن القضايا الجوهرية المتعلقة بهوية الأسرى المفرج عنهم تُهدد بتأجيل أو تعقيد الوصول إلى اتفاق نهائي. ومع ذلك، يشير فروانة إلى أن الخلافات الراهنة قد لا تشكل عائقًا فعليًا، بل هي جزء من مسار تفاوضي معتاد في مثل هذه القضايا الحساسة، مرجّحًا أن يتم تجاوزها قريبًا. ورغم الغموض الذي يحيط بمصير بعض الأسماء، فإن ما يُستشف من المواقف أن الجانبين يدركان أن اللحظة السياسية والإنسانية قد لا تحتمل مزيدًا من التأجيل، وأن الوصول إلى اتفاق أصبح مطلبًا لا يمكن تجاوزه، سواء لأسباب ميدانية أم ضغوط دولية آخذة في التصاعد.