إقالة المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، عمر دوستري، تفتح من جديد ملف النفوذ غير الرسمي الذي تمارسه سارة نتنياهو داخل مكتب رئيس الوزراء، وهو ملف لطالما أثار جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية. ورغم أن البيان الرسمي لمكتب نتنياهو حاول الإيحاء بأن مغادرة دوستري جاءت بقرار شخصي وعلى خلفية طبيعية، فإن التغطيات الصحفية الإسرائيلية المتعددة، وفي مقدمتها تقارير “تايمز أوف إسرائيل” و”القناة 13″، تؤكد أن الخلافات بين دوستري وسارة نتنياهو كانت العامل الحاسم في إبعاده.
سارة نتنياهو تستغل نفوذ زوجها
سارة نتنياهو، التي لا تشغل أي منصب رسمي في الحكومة أو حزب الليكود، لطالما نُظر إليها باعتبارها شخصية ذات تأثير مباشر في تعيينات ديوان رئيس الوزراء، وسبق أن اتُهمت في أكثر من مناسبة بأنها تتدخل في قرارات ذات طابع إداري وسياسي، بل وتدير أجواء العمل داخل مكتب زوجها بطريقة تتجاوز حدود الدور البروتوكولي لزوجة رئيس الوزراء. ما جرى مع دوستري لا يبدو استثناءً، بل يمثل امتدادًا لهذه السمعة المثيرة للجدل، التي تربط اسمها بإقصاء مستشارين وإحراج مسؤولين، والضغط من أجل تعيين شخصيات محسوبة عليها شخصيًا.
الجدير بالملاحظة أن التقارير الصحفية ربطت الإقالة بافتقار دوستري إلى “الخبرة والكفاءة”، وفق ما نقلته مصادر عن نتنياهو، إلا أن التوقيت والسياق، خصوصًا الإشارة إلى زيف أغمون كمستشار جديد يحظى بثقة سارة نتنياهو، يُضعف هذا التبرير، ويعزز الانطباع بأن الاعتبارات الشخصية لا تزال تتحكم في مفاصل صنع القرار داخل مكتب رئيس الوزراء، حتى في وقت تواجه فيه إسرائيل واحدة من أعقد الحروب في تاريخها، وتدخل في مفاوضات مصيرية مع أطراف إقليمية ودولية.
خلل إداري وسياسي في حكومة نتنياهو
استبدال دوستري بأغمون، الذي يوصف بأنه “مقرب بشكل خاص من سارة نتنياهو”، يضيف بعدًا آخر إلى هذا التدخل، فالمسألة لم تعد تتعلق بكفاءة المتحدث السابق من عدمها، بل بنمط متكرر من إحلال الموالين للأسرة محل من لا ينسجم مع مزاجها أو توجيهاتها غير الرسمية. هذا النمط يعكس خللاً في البنية الإدارية والسياسية لرئاسة الحكومة، ويُضعف من استقلالية الطاقم الإعلامي والسياسي حول نتنياهو، في لحظة تحتاج فيها إسرائيل إلى صوت رسمي قادر على إدارة سرديتها الإعلامية بثبات ومهنية وسط حرب متعددة الجبهات.
اللافت أيضًا أن هذه الإقالة تأتي عشية زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة، حيث يفترض أن يلعب المتحدث الرسمي دورًا محوريًا في إدارة التواصل الإعلامي للزيارة، ما يعني أن القرار لم يكن محسوبًا فقط بموجب ضرورات العمل أو التقييم الوظيفي، بل اتخذ باندفاع شخصي يُفضي إلى تغييرات حساسة في توقيت دقيق، في استعراض إضافي لنفوذ سارة نتنياهو داخل مؤسسات الدولة.
علامات استفهام
تكشف هذه الواقعة عن مفارقة واضحة: ففي الوقت الذي تروج فيه الحكومة الإسرائيلية لرواية مواجهة وجودية مع “تهديدات إقليمية”، يدار البيت الداخلي السياسي برؤية ضيقة تتداخل فيها العلاقات الشخصية مع القرارات المهنية، ما يضع علامات استفهام ليس فقط حول طبيعة القيادة، بل أيضًا حول مدى مؤسساتية الحكم في إسرائيل.