تكشف واقعة اعتقال سبعة جنود إسرائيليين من وحدة الدفاع الجوي «أرو 136» عن أزمة أخلاقية وثقافية متجذرة داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، تتجاوز في دلالاتها حدود الحادثة الفردية، لتلامس بنية النظام العسكري القائم وتوازناته الداخلية. فرغم أن الجيش الإسرائيلي يقدّم نفسه دائماً كمؤسسة منضبطة وذات مستوى عالٍ من المهنية، فإن هذه الحادثة تُعيد تسليط الضوء على ممارسات التنمر والانتهاكات داخل صفوفه، خصوصاً في الوحدات القتالية والنخبوية.
طقوس التنمر
الاعتداءات، التي توصف بأنها جسدية ونفسية وجنسية، وقعت – بحسب التقارير – في سياق ما يُعرف بـ«طقوس التنمر»، وهي ظاهرة ليست جديدة على جيوش العالم، لكن خطورتها في الحالة الإسرائيلية تنبع من أنها وقعت في وحدة تعمل ضمن واحدة من أكثر المنظومات حساسية في الأمن القومي الإسرائيلي، وهي منظومة الدفاع الجوي المسؤولة عن التصدي للتهديدات الصاروخية البعيدة المدى، بما فيها الصواريخ الباليستية.
ما يجعل القضية أكثر تعقيداً هو ادعاء بعض الجنود بأن ما حدث تمّ بـ«التراضي»، وهو تبرير يُستخدم عادةً لتخفيف وطأة التهم أو لإضفاء طابع جماعي على الممارسات، ما قد يشير إلى وجود ثقافة داخلية تتسامح – أو حتى تشجع ضمنياً – هذا النوع من السلوك تحت غطاء الروح القتالية أو «طقوس التهيئة» غير الرسمية. لكن هذا التبرير لا يقلل من خطورة الفعل، بل يكشف خللاً في منظومة الرقابة والانضباط العسكري، وفي غياب بيئة آمنة تشجع على التبليغ دون خوف من الوصم أو الانتقام.
توترات داخل الجيش الإسرائيلي
المؤسسة العسكرية سارعت إلى الإعلان عن فتح تحقيق، مع تعهد من قائد سلاح الجو اللواء تومر بار بمتابعة القضية، وهو ما يُفهم على أنه محاولة لاحتواء تداعيات الحادثة داخلياً، والحفاظ على صورة الجيش أمام الرأي العام الإسرائيلي والدولي. مع ذلك، فإن مجرد وصول القضية إلى الإعلام، عبر موقع «واي نت» التابع لـ«يديعوت أحرونوت»، يعكس تزايد الضغوط المجتمعية والحقوقية لمحاسبة المؤسسة العسكرية على الانتهاكات التي تقع داخل صفوفها، في ظل تكرار حالات مماثلة في السنوات الماضية.
ويأتي هذا الحدث في سياق أوسع من التوترات داخل الجيش الإسرائيلي، الذي يواجه ضغوطاً ميدانية كبيرة منذ اندلاع الحرب في غزة، وتنامي الأصوات المعارضة لسياسات القيادة السياسية والعسكرية، سواء بسبب طول أمد الحرب، أو ارتفاع الخسائر البشرية، أو الأداء الميداني. لذلك فإن أي فضيحة داخلية – أخلاقية أو تنظيمية – تضع الجيش تحت المجهر، وتعرض قيادته لمزيد من النقد غزةالشعبي والإعلامي.
انحرافات خطيرة
تتجاوز هذه الحادثة حدود الجنود السبعة المعتقلين، لتطرح أسئلة أوسع حول ثقافة التدريب والانضباط، وآليات الحماية الداخلية، ومدى نجاعة القيادة في معالجة انحرافات خطيرة في السلوك داخل الوحدات العسكرية الحساسة. والأهم من ذلك، فإنها تفتح نافذة على وجه خفيّ للجيش الإسرائيلي، يخالف صورته التي يسعى إلى تصديرها كجيش منضبط ومتماسك، يُحكم السيطرة على أفراده ويمنع أي تجاوزات قد تضر بهيبته وفاعليته.