تشير المعطيات الميدانية الأخيرة إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يواجه خسائر بشرية متصاعدة، تُعبّر عن تغير نوعي في طبيعة المواجهات داخل قطاع غزة. فخلال أقل من 24 ساعة، تكبدت القوات الإسرائيلية قتلى وجرحى في ثلاث “حوادث أمنية” متزامنة شرق مدينة غزة (حيي التفاح والشجاعية) وجنوبها (خان يونس)، وهي مناطق لطالما ادّعى الاحتلال السيطرة عليها عسكريًا.
الاحتلال يتعرض لكوارث
ما تصفه وسائل إعلام الاحتلال بـ”كارثة جديدة” شرق غزة يعكس حجم المفاجأة العسكرية التي تعرضت لها وحدة مدرعة إسرائيلية تم استهدافها بقذيفة مضادة للدروع، أودت بحياة ثلاثة جنود، وأدت إلى تفعيل “بروتوكول هانيبال”، خشية وقوع أحد الجنود في الأسر، وهو بروتوكول يُفعّل في حال وجود احتمالية لأسر جندي، ويبيح استخدام أقصى درجات القوة لمنع ذلك، ولو أدى إلى قتل الجندي نفسه. ومع أن الجندي عُثر عليه لاحقًا، إلا أن الحادث يكشف هشاشة منظومة الحماية لدى القوات الإسرائيلية في عمق المناطق التي تزعم أنها “مُطهّرة” من المقاومة.
حادث آخر مشابه في خان يونس، حيث أعلنت كتائب القسام مسؤوليتها عن استهداف ناقلة جند بقذيفة “الياسين 105″، وهي نسخة محلية مطوّرة من القذائف المضادة للدروع، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى إسرائيليين وإخلائهم بمروحيات عسكرية. هذه العملية وغيرها تُشير إلى فعالية استراتيجية “الكمائن المتحركة” التي تعتمدها المقاومة الفلسطينية، مستفيدة من طبيعة الأرض، وأنفاقها، ومعرفتها الدقيقة بمسارات تحرك القوات الإسرائيلية.
تآكل الجبهة القتالية لجيش الاحتلال
مع استمرار هذه الخسائر وتكرار العمليات النوعية للمقاومة، تتزايد مؤشرات التآكل في الجبهة القتالية لجيش الاحتلال. فبحسب ما أعلنه الجيش نفسه، فإن عدد القتلى في صفوفه منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023 وصل إلى نحو 890 جنديًا وضابطًا، فيما يتجاوز عدد الجرحى 6 آلاف، في حين تشير تقديرات فلسطينية وإسرائيلية غير رسمية إلى أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى، نظرًا للرقابة المشددة التي يفرضها الجيش على الإعلام المحلي، ومحاولته التقليدية لحجب الخسائر.
ما يُضاعف من حجم الخسائر ليس فقط عدد القتلى، بل نوعيتهم ومواقعهم، إذ إن معظمهم من وحدات النخبة ككتيبة “نتساح يهودا” التابعة للواء كفير، والتي فقدت 5 من عناصرها الأسبوع الماضي في كمين بشمال غزة، إضافة إلى 14 مصابًا. وتشير هذه الوقائع إلى خلل عميق في القدرات الاستخبارية الميدانية، وربما إلى تراجع الروح المعنوية داخل الجيش، الذي يعمل في بيئة قتالية معقدة يصفها الجنود الإسرائيليون بـ”الجحيم الأرضي”.
تضليل لرأي العام في إسرائيل
الخسائر العسكرية لا تأتي في فراغ، بل في ظل حالة من الإنهاك السياسي والعسكري، وغياب رؤية استراتيجية للحسم أو الخروج، وهو ما ينعكس على قرارات القيادة العسكرية، التي تتسم بالتردد والتخبط. كما أن التبعية الكاملة للدعم الأميركي، سياسيا وعسكريا، لم تُحقق نتائج ميدانية ملموسة، بل كرّست اعتمادًا مفرطًا على القوة الغاشمة التي أثبتت عدم فعاليتها أمام تكتيكات حرب العصابات والمفاجآت الميدانية.
الواقع أن خسائر الجيش الإسرائيلي لم تعد مجرد رقم ضمن تقارير الحرب، بل تحوّلت إلى أداة ضغط داخلية على القيادة السياسية والعسكرية، وسط اتهامات متكررة بإخفاء الحقائق، والتضليل المتعمد للرأي العام. فالإصرار على إخفاء الخسائر الحقيقية بات يهدد الثقة بالمؤسسة العسكرية، ويكشف عمق المأزق الذي يعيشه الجيش بعد أشهر طويلة من حرب مفتوحة لم تُحقّق أهدافها المعلنة، بل زادت من تعقيد المشهد الميداني والسياسي.