في ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة والحصار الشامل الذي تفرضه إسرائيل منذ شهور، أصبحت قضية سوء التغذية أحد أبرز التحديات الإنسانية التي تهدد حياة السكان، وخاصة الأطفال. الأوضاع المعيشية الصعبة، وانعدام المواد الغذائية الأساسية، وتعطّل سلاسل الإمداد، كلها عوامل دفعت عشرات الآلاف من الأسر إلى الاعتماد على مساعدات محدودة، أبرزها المكملات الغذائية التي توزّعها المؤسسات الإغاثية الدولية والمحلية. وبينما توفر هذه المكملات بصيص أمل للأمهات في حماية أطفالهن من الجوع، إلا أن التساؤلات تبقى قائمة حول مدى قدرتها على مواجهة سوء التغذية فعليًا.
سوء التغذية في غزة لم يعد ظاهرة معزولة أو مقتصرة على بعض الحالات، بل بات حالة عامة تعاني منها غالبية الأسر. الأمهات مثل هدى الحداد ومُنى لُبّد يروين قصصًا مأساوية عن أطفال فقدوا القدرة على الحركة الطبيعية، أو شُخصوا بحالات من الهزال والتقزّم، نتيجة نقص الفيتامينات والبروتينات الأساسية. الطعام المتوفر يقتصر غالبًا على العدس أو المعكرونة، وهي وجبات لا تكفي لبناء جسم طفل أو دعمه في سنوات النمو الحرجة. ومن هنا تأتي أهمية المكملات الغذائية، مثل عبوات زبدة الفول السوداني المدعمة بالفيتامينات، والتي أصبحت البديل الوحيد في ظل غياب النظام الغذائي المتكامل.
مواجهة المجاعة
المكملات الغذائية تلعب دورًا حيويًا، ولكنها تبقى حلاً مؤقتًا، وليست بديلاً عن الغذاء الطبيعي المتكامل. فهي توفر بعض العناصر التي يحتاجها الجسم، مثل الحديد والزنك والبروتينات، وتساعد في تجنّب مضاعفات النقص الحاد في هذه العناصر، لكن لا يمكن الاعتماد عليها لفترة طويلة دون تعويض النقص بالوجبات الحقيقية التي تحتوي على لحوم، خضروات، فواكه، وأسماك. كما أن فعالية هذه المكملات تعتمد على طريقة تناولها، وضرورة الالتزام بالإرشادات، خصوصًا ما يتعلق بكمية المياه المصاحبة لها، وإلا فقد تتسبب بأعراض جانبية أو مشاكل في الهضم.
الجانب الإيجابي أن هناك وعيًا نسبيًا بين الأهالي، بدعم من المؤسسات الإغاثية التي توفّر الإرشاد والتوعية حول كيفية استخدام المكملات. في مراكز الإيواء، أصبح توزيع هذه المواد مشهدًا يوميًا، والأمهات يبذلن جهدًا للحصول على حصص لأطفالهن، رغم الازدحام والضغط. هذه المساعدات تمنح بعض الطمأنينة، وتُظهر كيف يمكن للأدوات البسيطة أن تُحدث فرقًا حقيقيًا في مواجهة المجاعة، حتى وإن لم تكن الحل الكامل.
الجوع أداة حرب
لكن يبقى التحدي الأكبر سياسيًا وإنسانيًا. فالسبب الجوهري في أزمة التغذية لا يكمن فقط في نقص الموارد، بل في السياسات الإسرائيلية التي تمنع دخول الغذاء والدواء إلى القطاع، وتستخدم الجوع كأداة حرب للضغط على حماس والمقاومة. المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، تصف ما يجري بسياسة تجويع ممنهجة، وتحمّل إسرائيل المسؤولية القانونية والأخلاقية. ومع استمرار إغلاق المعابر منذ مارس الماضي، تزداد حالات سوء التغذية، ويتدهور الوضع الصحي للأطفال، وتصبح المكملات مجرد محاولة لتأجيل الكارثة.
في النهاية، المكملات الغذائية مهمة، لكنها لا تستطيع أن تُغني عن الغذاء الطبيعي. الحل الجذري يبدأ بوقف الحرب، ورفع الحصار، وفتح المعابر بشكل دائم ومنتظم، وتمكين القطاع من استعادة حدّه الأدنى من الأمن الغذائي. أما دون ذلك، فستبقى أمهات مثل هدى ومنى يحاولن إنقاذ حياة أطفالهن بوسائل محدودة، في معركة يومية ضد الجوع والفقد.