في تطور جديد للأحداث في قطاع غزة، أعلنت حركة “حماس” استعدادها لإبرام صفقة تبادل أسرى دفعة واحدة مع إسرائيل مقابل هدنة تمتد لخمس سنوات، بحسب ما أفاد به مسؤول في الحركة لوكالة الصحافة الفرنسية. وقد جاء هذا الإعلان قبيل لقاء وفد “حماس” المفاوض بالوسطاء المصريين في القاهرة لمناقشة مقترحات لوقف إطلاق النار.
المسؤول الحمساوي شدد على أن سلاح الحركة والمقاومة الفلسطينية ليس مطروحًا للنقاش أو للتسليم، وأن “حماس” تعتبره عنصرًا جوهريًا في استراتيجيتها طالما استمر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
مكاسب سياسية
يبدو أن تقديم “حماس” لهذا المقترح في هذا التوقيت يعكس قراءة داخلية للوضع الميداني والسياسي. فبعد شهور من الحرب المدمرة على قطاع غزة، وسقوط آلاف الشهداء المدنيين، وتدمير واسع للبنية التحتية، أدركت الحركة أن استمرار الحرب بات يُهدد ليس فقط الحاضنة الشعبية لها، بل وجودها السياسي والعسكري ذاته.
المقترح يكشف عن تحوّل براغماتي، فالحركة تحاول أن تحقّق مكاسب سياسية من خلال صفقة تنقذ ما تبقى من قواها العسكرية والبنية الاجتماعية للقطاع، مقابل تهدئة طويلة نسبيًا تُمكّنها من إعادة ترتيب أوراقها.
إلا أن هذا الطرح يفتح أسئلة نقدية حول سياسة “حماس” في إدارة الصراع. لماذا تأخر هذا العرض إلى ما بعد الكارثة الإنسانية الكبرى التي ضربت غزة؟ أليس الأجدى سياسيًا وأخلاقيًا أن يتم السعي لوقف النزيف منذ بدايات المواجهة؟ هذا التأخر يطرح اتهامات بأن الحركة، في رهاناتها السياسية والعسكرية، وضعت حساباتها التنظيمية فوق المصالح الإنسانية للمدنيين، مما أدى إلى نتائج كارثية.
هدنة التقاط الأنفاس
كذلك، حين تصر “حماس” على بقاء سلاحها “طالما بقي الاحتلال”، فهي تُبقي الباب مفتوحًا أمام استئناف الصراع في أي لحظة، مما يُضعف الثقة بإمكانية تحقيق هدنة مستقرة طويلة المدى. ويعزز ذلك الاتهامات الموجهة إلى الحركة بأنها تدير المعركة برؤية تضمن بقائها السياسي لا إنهاء الاحتلال فحسب.
ورغم أن العرض يحمل في طياته مخرجًا قد يُنقذ المدنيين المتبقين في غزة من ويلات استمرار الحرب، إلا أن توقيته، وشروطه، والأداء العام للحركة منذ بداية الحرب، يجعل من الصعب تجاهل النقد القائل إن “حماس” تتحرك اليوم بدافع الضرورة لا الرغبة، بعد أن شعرت بأنها قد تكون على أعتاب نهاية مأساوية إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
بالتالي، المشهد يُظهر “حماس” وهي تحاول التقاط أنفاسها وإعادة التموضع، لا تقديم تنازلات استراتيجية كبرى. ما تسعى إليه هو هدنة طويلة نسبياً تتيح لها إعادة البناء، وليس إنهاء نهائي للمواجهة مع إسرائيل.