كشفت اجتماعات المجلس الوزاري الأمني المصغر في إسرائيل (الكابينت) عن تصاعد الخلافات الداخلية بين المستويين العسكري والسياسي حيال مسار الحرب المستمرة على قطاع غزة، مما يعكس عمق الأزمة التي تمر بها القيادة الإسرائيلية في ظل التعقيدات المتزايدة للوضع الميداني والضغوط الدولية المتصاعدة.
وبحسب ما أفادت به صحيفة “إسرائيل اليوم”، فإن اجتماع المجلس مساء الخميس الماضي شهد تباينًا كبيرًا في الرؤى، رغم محاولات تقليص الفجوة بين الجانبين بشأن مسألة توزيع المساعدات الإنسانية المقدمة لسكان غزة. الاجتماع، الذي سبقه لقاء مماثل مساء الثلاثاء، انتهى دون إصدار بيان رسمي، وهو ما يعكس حجم الخلافات التي استعصى احتواؤها حتى الآن.
الخلافات التي ظهرت في اجتماعات الكابينت لم تقتصر على مسائل إجرائية تتعلق بإدارة الحرب أو آليات إيصال المساعدات، بل امتدت إلى جوهر الاستراتيجية السياسية والعسكرية المتبعة. فبينما يضغط المستوى العسكري بقيادة رئيس الأركان وكبار الضباط باتجاه تخفيف العمليات العسكرية تدريجيًا وتوسيع نطاق توزيع المساعدات لتفادي كارثة إنسانية شاملة، يتمسك المستوى السياسي، بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعدد من الوزراء اليمينيين، بمواقف متشددة تستند إلى مواصلة الضغط العسكري المكثف على القطاع كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية بعيدة المدى، لا سيما القضاء التام على القدرات العسكرية لحركة حماس وإعادة فرض شروط إسرائيلية صارمة لأي ترتيبات مستقبلية في غزة.
مصادر مطلعة على ما دار داخل الاجتماعات أكدت أن المؤسسة العسكرية عبّرت عن قلقها البالغ من الانعكاسات السلبية لاستمرار العمليات دون رؤية واضحة للمرحلة التالية، خصوصًا في ظل تنامي الأصوات الدولية المطالبة بوقف إطلاق النار، وتصاعد التوتر الداخلي الإسرائيلي الذي بدأ يظهر من خلال الاحتجاجات الشعبية وانتقادات بعض السياسيين من داخل الائتلاف الحكومي نفسه.
ومن المقرر أن يُعقد اجتماع آخر لمجلس الوزراء يوم الاثنين المقبل، وسط توقعات بأن يستمر الجدل الحاد دون أن تلوح في الأفق بوادر اتفاق شامل بين المستويين العسكري والسياسي. ويرى مراقبون أن استمرار هذا الانقسام قد يؤدي إلى إرباك المشهد السياسي الداخلي في إسرائيل، وربما يسرع بطرح تساؤلات جوهرية حول جدوى استمرار الحرب بالشكل الحالي ومستقبل القيادة السياسية والعسكرية للبلاد.
ومع استمرار الحرب ودخولها مرحلة الاستنزاف، باتت القيادة الإسرائيلية أمام تحدٍ مزدوج: إدارة معركة عسكرية معقدة على الأرض، ومواجهة تصدعات داخلية متزايدة تهدد بإضعاف موقفها السياسي داخليًا وخارجيًا على حد سواء.