الاقتحامات المتكررة التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدن وبلدات الضفة الغربية، كما حدث مؤخرًا في دورا وبيت أمر والبيرة ومخيم العين في نابلس، لم تعد مجرد عمليات أمنية محدودة بزمن أو مكان، بل تحوّلت إلى سياسة ممنهجة تحمل دلالات عميقة في السياق السياسي والعسكري الإسرائيلي. هذه الممارسات، التي تتضمن اعتقالات لمدنيين بينهم نساء، واقتحام منازل، وتحويل مبانٍ سكنية إلى ثكنات عسكرية، هي تجسيد لنهج السيطرة الميدانية وتكريس الاحتلال كواقع يومي مفروض بقوة السلاح.
ترهيب السكان
الرسالة التي يحملها هذا النوع من الاقتحامات واضحة: لا مكان آمن للفلسطينيين، حتى في قلب بيوتهم. حين تُقتحم قاعات أفراح، وتُجبر العائلات على إخلاء منازلها، وتُعتقل الفتيات من بيوتهن، فإن ذلك لا يعكس فقط سعي الاحتلال لضرب بنية المقاومة، بل يكشف أيضًا عن استراتيجية تهدف إلى ترهيب السكان وإشعارهم بالهشاشة الدائمة. إنها محاولة لزعزعة النسيج المجتمعي، وتحويل كل بيت فلسطيني إلى هدف محتمل تحت ذريعة “الأمن”.
لكن هذه الاقتحامات ليست معزولة عن السياق السياسي العام. فمنذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023، ازدادت وتيرة التوتر في الضفة الغربية بشكل ملحوظ، وأصبحت المدن الفلسطينية ساحة مفتوحة للتوغلات والاعتقالات. يبدو أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعتبر أن تعزيز قبضتها على الضفة الغربية بات ضرورة مضاعفة في ظل احتمال اتساع رقعة المواجهة، أو على الأقل لمنع تمدد التأثير السياسي والعاطفي لما يجري في غزة إلى الضفة.
حجم الخوف الإسرائيلي
في العمق، هذه العمليات ليست فقط ضد المقاومة المنظمة، بل هي تعبير عن رغبة إسرائيل في كبح أي حالة نهوض وطني فلسطيني، حتى وإن كان في صورته السلمية أو الاجتماعية. فالاحتفال بإطلاق سراح أسير، كما في حالة عبد الله عمايرة، يتحول إلى “هدف أمني”، ما يعكس حجم الخوف الإسرائيلي من الرموز الوطنية الفلسطينية، ومن فكرة أن الشعب لا يزال متمسكًا بالمقاومة كخيار وهوية.
كما أن هذه الممارسات تُظهر حدود الحلول السياسية المطروحة، أو بالأحرى غيابها الكامل. فعندما يُستخدم الرصاص الحي لتفريق الجموع، وتُفرض الحواجز لإغلاق الأسواق، ويُعتدى على الأسر أمام أعين أطفالها، فإن الحديث عن “السلام” أو “المفاوضات” يبدو مجرد وهم لا يتوافق مع الواقع القائم على الأرض. بل إن استمرار هذه الانتهاكات يهيئ بيئة خصبة لانفجارات قادمة، ويغذي مشاعر الغضب والرفض، خاصة لدى الأجيال الشابة.
تسخير الضفة الغربية كمسرح دائم لفرض السيادة الإسرائيلية بالقوة يهدد ليس فقط الاستقرار الفلسطيني، بل مستقبل المنطقة برمتها، إذ أن الانفجار الشعبي الواسع لم يعد مجرد احتمال، بل أصبح مسألة وقت في ظل تكرار الإهانات والاقتحامات والإذلال اليومي.