الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة والضفة الغربية لم تكتفِ بتدمير المباني والبنية التحتية، بل امتدت لتقوض مستقبل أمةٍ بأكملها، عبر استهداف منهجي للعملية التعليمية ومكوناتها البشرية والمادية. الأرقام الصادمة التي كشفت عنها وزارة التربية والتعليم تكشف عن حجم المأساة التي تضرب جذور المجتمع الفلسطيني، وتضع علامات استفهام كبرى حول مصير جيل بأكمله ولد ونشأ وسط الرماد والموت والدمار.
استشهاد ما يقارب 14,784 طالبًا و880 معلمًا وإداريًا ليس مجرد خسارة في الأرواح، بل هو ضربة قاتلة لمسار التعليم في فلسطين، وتحطيم لآمال آلاف العائلات التي كانت ترى في المدرسة والجامعة طريقًا وحيدًا نحو التحرر من الفقر والاحتلال واللاجدوى. إن استهداف الطلبة، الذين لم يحملوا سلاحًا سوى كتبهم وأحلامهم، يعكس استراتيجية تهدف لتدمير البنية المعرفية والذهنية للشعب الفلسطيني، بما يقطع الطريق على أي مشروع وطني قادر على النهوض.
تأثير متراكم على الأجيال القادمة
الدمار الممنهج للمدارس والجامعات — مع تدمير 111 مدرسة بشكل كامل، وتعرض 352 أخرى لأضرار جسيمة، إلى جانب تدمير 60 مبنى جامعياً واقتحام العشرات منها — لا يمكن اعتباره مجرد “أضرار جانبية” في سياق عسكري، بل هو جزء من خطة أكبر تهدف لشلّ النظام التعليمي الفلسطيني، وتفريغ المجتمع من أدوات المعرفة، والتقدم، والمقاومة المدنية.
أخطر ما في هذا الواقع ليس فقط العدد المهول من الضحايا، بل تأثيره المتراكم على الأجيال القادمة. أكثر من 788 ألف طالب في قطاع غزة محرومون من التعليم منذ أكتوبر 2023، فيما يعاني معظمهم من صدمات نفسية عميقة، ويفتقرون إلى الرعاية الصحية والدعم النفسي. جيل كامل مهدد ليس فقط بحرمانه من التعليم، بل بترسيخ مشاعر الخوف والعجز والانعزال، ما قد ينعكس مستقبلاً في ارتفاع معدلات التسرب من التعليم، والتطرف، والاضطرابات النفسية والاجتماعية.
إعادة الإعمار أولوية قصوى
المدرسة ليست مجرد مكان للتعليم، بل بيئة آمنة تنمي الوعي والانتماء وتبني الإنسان. وحين تُستهدف بهذا الشكل، تتحول من منارة أمل إلى شاهد على الجريمة. إن تعطيل المدارس والجامعات، وحرمان الطلاب من استئناف تعليمهم، يفرغ فلسطين من أعظم سلاح تملكه: الوعي والمعرفة.
الأثر التراكمي لما يحدث اليوم سيظل يلقي بظلاله لسنوات قادمة، ما لم يتم التدخل العاجل لإنقاذ ما تبقى من النظام التعليمي الفلسطيني. الدعم النفسي والتعليمي وإعادة الإعمار ليس ترفًا، بل أولوية قصوى إذا ما أراد المجتمع الدولي أن يكون جزءًا من إعادة الأمل إلى أرض لم تعرف سوى الألم.
العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة والضفة الغربية لم يقتصر على تدمير المباني وسفك الدماء، بل استهدف بصورة ممنهجة مستقبل فلسطين ذاته، متمثلًا في طلابها، معلميها، ومؤسساتها التعليمية. الأرقام الصادرة عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية ترسم صورة مروعة لحجم الكارثة التعليمية والإنسانية في آنٍ واحد. أكثر من 14,784 طالبًا استُشهدوا، و24,766 أصيبوا بجروح، بالإضافة إلى 880 من الكوادر التعليمية بين معلم وإداري قضوا نحبهم تحت القصف، ومئات المدارس والجامعات دُمرت أو تعرضت لأضرار بالغة. إنها أرقام ليست مجرد إحصاءات، بل شواهد على جريمة مركبة بحق أجيال بأكملها.
صدمات نفسية حادة
عندما تُستهدف المدارس وتُحوّل إلى ركام، وعندما يُقتل الطلبة في الفصول أو يُمنعون من الوصول إليها، فإن ذلك لا يعني فقط تعطيل التعليم مؤقتًا، بل هو عمل يضرب في صميم قدرة المجتمع الفلسطيني على النهوض والتعافي. التعليم هو العمود الفقري لأي مجتمع يسعى لبناء ذاته، ومع هذا الدمار الواسع والمتعمد، يُعاد تشكيل الواقع الفلسطيني وفق سياسة واضحة تهدف إلى إضعاف الوعي، وقتل الطموح، وتدمير أدوات النهوض الوطني.
في قطاع غزة، حيث يحرم 788 ألف طالب من حقهم في التعليم، يعيش الأطفال والشباب في حالة فراغ قاتلة، لا مدارس، لا جامعات، ولا بيئة تعليمية. والأسوأ من ذلك، أن كثيرًا منهم فقدوا معلميهم وأقرانهم وأفراد عائلاتهم، وهم يعانون اليوم من صدمات نفسية حادة، في ظل غياب أي نظام دعم نفسي فعّال في بيئة تفتقر لأبسط مقومات الحياة. الصدمة النفسية الجماعية التي تعصف بجيل كامل ستترك آثارًا طويلة الأمد، من اضطرابات القلق والاكتئاب، إلى فقدان الدافع والطموح، ما يهدد بتوليد جيل مجروح، مثقل بالفقدان، ومحروم من الأدوات التي تمكّنه من النهوض.
الأخطر أن هذا الاستهداف الممنهج للمؤسسات التعليمية لا يبدو عرضيًا أو نتاجًا جانبيًا للعمليات العسكرية، بل يعكس سياسة قائمة على نزع السلاح المعرفي والثقافي من الفلسطينيين. فحين يتم قصف المدارس الحكومية ومدارس “الأونروا”، وتهديد بإغلاقها في القدس، فإن الهدف هو اقتلاع الجذور المعرفية التي تُبقي الهوية الوطنية الفلسطينية حيّة في الوجدان، وتحويل الشعب إلى كتلة بشرية عاجزة عن الفعل أو الحلم.
شل الديناميكية الشبابية
أما في الضفة الغربية، فالاقتحامات المستمرة للجامعات والمدارس، واعتقال الطلبة والمعلمين، ليست سوى جزء من حلقة طويلة تسعى إلى كبح الحراك الطلابي والسياسي والثقافي، الذي لطالما شكّل نواة للمقاومة الفلسطينية. فالمؤسسات التعليمية في الضفة، رغم كل الظروف، بقيت منابر للتعبير والوعي، ولذلك باتت هدفًا واضحًا للجيش الإسرائيلي، في محاولة لشلّ أي ديناميكية شبابية مستقبلية.
هذه السياسات تفتح جرحًا طويل الأمد في النسيج الفلسطيني، وتُعمّق من الفجوة بين الأجيال المحرومة من التعليم وبين حلم الدولة المستقلة. إن استشهاد هذا العدد الهائل من الطلاب والمعلمين، وتدمير المدارس والجامعات، لا يعني فقط حرمان الآلاف من الشهادات العلمية، بل يعني سرقة المستقبل ذاته، وتكريس واقع من الفقر والبطالة والجهل، تكون فيه فلسطين بلا أفق.
لكنّ هذا المشهد القاتم، وإن كان يدفع للغضب والحزن، لا يلغي حقيقة أن التعليم ظل دومًا عنوانًا للمقاومة الفلسطينية، ومنبرًا للثبات على الأرض. والمهمة المقبلة أمام الفلسطينيين، وكل الداعمين لقضيتهم، هي استعادة هذا الحق الأساسي، وإعادة بناء منظومة تعليمية تكون قادرة على مداواة الجراح، وتأهيل الأجيال، والتمسك بالحلم رغم ركام الحرب.