ضربات كتائب القسام والفصائل الفلسطينية الأخرى ضد الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، كما في عملية تفجير حقل الألغام شرق خان يونس، تُعد من الناحية العسكرية عمليات نوعية توثق قدرة المقاومة على التخطيط والتكتيك الميداني، رغم التفوق الجوي والتكنولوجي الإسرائيلي.
هذه الهجمات تؤثر على صورة الجيش الإسرائيلي أمام الرأي العام الإسرائيلي والدولي، وتفرض عليه تكلفة بشرية واقتصادية متزايدة، ما يجعل استمرار الحرب عبئاً سياسياً على الحكومة الإسرائيلية. لكن في المقابل، فإن فعالية هذه الضربات لا تُقاس فقط بعدد القتلى أو الجرحى، بل بمدى قدرتها على تغيير المعادلة السياسية أو فرض شروط المقاومة في أي مفاوضات مستقبلية.
مكاسب تفاوضية
ما تقوم به “حماس” من عمليات عسكرية في قلب مناطق التوغل يعكس تمسكها بخيار المقاومة المسلحة كورقة ضغط أمام إسرائيل وأمام الوسطاء الدوليين، وهو ما يحقق لها مكاسب تفاوضية على المدى القصير، ويُظهر أنها ليست مهزومة عسكرياً رغم الحصار والقصف. لكن هذه التكتيكات، في السياق العام للحرب، لم تنجح حتى الآن في ردع إسرائيل أو إجبارها على وقف العدوان، بل العكس: إسرائيل تستغلها لتبرير استمرار الحرب وتوسيع عملياتها العسكرية بذريعة “تدمير البنية التحتية للإرهاب”.
أما على صعيد المفاوضات، فإن تصعيد المقاومة الميداني يُعقد الجهود السياسية الرامية للوصول إلى تهدئة، خاصة حين يتزامن مع تقدم نسبي في الوساطات. كلما ازدادت العمليات الهجومية لحماس، زادت الضغوط على الوسطاء، خصوصاً مصر وقطر، لإقناع إسرائيل بالتجاوب. ولكن في الوقت نفسه، تُستغل هذه العمليات كذريعة من إسرائيل للتشدد في شروطها، وهو ما يضع الوساطة في مأزق تكراري، لا يُنتج سوى هدنة مؤقتة سرعان ما تنهار.
التحصين الشعبي
النقد الذي يجب توجيهه لحماس في هذا السياق لا يتعلق بشرعية المقاومة، بل بإدارة المعركة في بيئة مدنية خانقة ومأهولة بالمدنيين، من أطفال ونساء وكبار في السن. استمرار إطلاق القذائف من مناطق قريبة من التجمعات السكنية، وبناء الأنفاق تحت الأحياء، يعرض السكان بشكل مباشر للقصف الإسرائيلي الانتقامي، ويُفاقم الكارثة الإنسانية التي تخنق القطاع. هذه الاستراتيجية، التي تُقدَّم كجزء من “التحصين الشعبي”، يجب أن تُراجع بعمق، لأن ثمنها يُدفع من دم الأبرياء.
يجب أن تعيد حماس النظر في مقاربتها للمقاومة ضمن معادلة سياسية أكبر، تُراعي حجم الخسائر الهائلة التي لحقت بالسكان، ومدى جدوى استمرار الحرب بالشكل الحالي دون أفق سياسي واضح.
عمليات القسام تُظهر صموداً ميدانياً، لكنها تسهم في تأزيم المفاوضات، وتُعرّض المدنيين لمزيد من المجازر، ما يستدعي مراجعة إستراتيجية عميقة تُعيد الاعتبار للأهداف الوطنية الكبرى دون التورط في معارك استنزاف بلا سقف.