تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن الرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة لدى حركة “حماس” تفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات حساسة حول الدوافع الحقيقية وراء قراراته الأخيرة، وحول ما إذا كانت حياة هؤلاء الرهائن تُوظَّف كأداة سياسية في معركة الحفاظ على مكانته الشخصية وسط تراجع ثقة الشارع الإسرائيلي. ففي حين أكد نتنياهو، بلهجة قاطعة، أن إسرائيل تعلم بوجود 21 رهينة على قيد الحياة، و”لن تتخلى عن أي منهم”، إلا أن أفعاله على الأرض تبدو متناقضة مع هذا الالتزام المعلن.
المفارقة تكمن في أن الحكومة الإسرائيلية، رغم امتلاكها معلومات مؤكدة عن أن هؤلاء الرهائن ما زالوا أحياء، لم تُبدِ حتى الآن مرونة حقيقية في التفاوض من أجل إطلاق سراحهم، بل تستمر في قصف مناطق يُحتمل تواجدهم فيها. هذه الازدواجية بين الخطاب الرسمي والسلوك العسكري تثير شكوكاً حقيقية في نوايا نتنياهو، وتدفع كثيرين إلى الاعتقاد بأن المسألة لم تعد تتعلق فقط بالرغبة في “استعادة الأسرى”، بل أصبحت مرتبطة بمصالحه السياسية والشخصية، وسط واحدة من أسوأ الأزمات التي تواجهه داخلياً.
أولوية إنقاذ الرهائن
نتنياهو، الذي يعيش عزلة متزايدة داخل حكومته ويواجه احتجاجات متصاعدة من عائلات الرهائن، يدرك أن مصيره السياسي أصبح مرهوناً بملف الرهائن. ومع ذلك، يبدو أنه يختار طريق التصعيد العسكري بدلًا من التفاوض الحقيقي، ربما لإرضاء شركائه من اليمين المتطرف الذين يرفضون أي تنازل أمام “حماس”، أو لضمان استمرار الحرب كوسيلة لتأجيل أي مساءلة داخلية حول فشل الدولة في منع هجوم 7 أكتوبر.
من وجهة نظر إنسانية وأخلاقية، يبدو هذا النهج مجازفة غير مبررة بحياة رهائن مدنيين، هم في النهاية إسرائيليون كان يُفترض أن تكون عودتهم أولوية مطلقة، لا ورقة مساومة. استمرار الحرب بهذه الصورة، دون إعطاء أولوية حقيقية لإنقاذ الرهائن، يُفهم من كثير من الإسرائيليين على أنه خيانة لمبادئ الدولة في حماية مواطنيها، ويؤجج مشاعر الغضب والخيانة داخل المجتمع الإسرائيلي، خصوصاً بين أهالي المخطوفين.
ابتزاز حماس
في المقابل، نجد تباينًا في التصريحات الرسمية، كما في حالة منسق شؤون الرهائن غال هيرش، الذي تحدث عن 24 رهينة أحياء، لا 21 كما قال نتنياهو. هذا التضارب يزيد من شعور الجمهور الإسرائيلي بأن هناك تلاعباً أو تضليلاً متعمداً للرأي العام، ويعكس فوضى داخلية في إدارة الملف.
الرأي العام الإسرائيلي لم يعد صامتاً. الضغط الشعبي يتصاعد، والمظاهرات تتكرر، والمطالب بالشفافية والوضوح تتزايد. في هذا السياق، أي قرار يتجاهل ملف الرهائن أو يضعه في المرتبة الثانية بعد “الحسم العسكري”، يُعتبر مقامرة سياسية على حساب أرواح مواطنين أبرياء.
خلاصة المشهد أن نتنياهو، وهو يحاول البقاء سياسياً عبر البوابة الأمنية والعسكرية، قد يكون على استعداد لتحمّل كلفة باهظة من أرواح الرهائن، فقط ليُثبت أنه لم يخضع لـ”ابتزاز حماس”. ولكن الثمن السياسي قد يكون أفدح بكثير، إن أدرك الجمهور في نهاية المطاف أن الرهائن لم يكونوا أولوية، بل وقوداً لمعركة سياسية لا أخلاقية.