قي قرار أثلج صدور الملايين، أعلنت السلطات السورية، أمس السبت 17 مايو 2025، عن تشكيل “الهيئة الوطنية للمفقودين”، في خطوة وُصفت بالتاريخية نحو معالجة أحد أكثر الملفات إيلاماً في الصراع السوري. جاء هذا القرار بعد أكثر من خمسة أشهر على الإطاحة بحكم بشار الأسد، ضمن سياق إجراءات العدالة الانتقالية التي تتبناها الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
أهداف هيئة المفقودين
بحسب المرسوم الرئاسي، تهدف الهيئة إلى البحث والكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسريا، وتوثيق حالات الاختفاء، وكذلك إنشاء قاعدة بيانات وطنية للمفقودين، بجانب تقديم الدعم القانوني والإنساني لأهالي الضحاي، وقد تم تعيين محمد رضى جلخي رئيساً للهيئة، مع مهلة لا تتجاوز 30 يوماً لتشكيل فريق العمل ووضع النظام الداخلي.
أرقام صادمة
تظل الأرقام المتعلقة بالمفقودين السوريين غير دقيقة، لكن وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة لعام 2021، فهناك أكثر من 130 ألف شخص في عداد المفقودين منذ بدء الصراع في 2011.
وبحسب اللجنة الدولية لشؤون المفقودين، فإن العدد الإجمالي قد يصل إلى أكثر من 130,000 شخص من 60 جنسية مختلفة، إضافة إلى 17,000 مفقود في عهد حافظ الأسد.
الضحايا لا يشملون فقط المعتقلين، بل أيضاً المختطفين، والذين فُقدوا أثناء القصف أو التهجير القسري، أو غرقوا في رحلات الهجرة غير الشرعية.
تأثير القرار على الأهالي
رحّب الكثير من أهالي المفقودين بإعلان تشكيل الهيئة، وعبّروا عن أملهم في أن يمثل ذلك بداية حقيقية لإنهاء معاناتهم المستمرة منذ أكثر من عقد.
وتقول أم وائل، والدة شاب اختفى في عام 2012: “كل يوم أعيشه كأنه أول يوم من غيابه. لو علمت أنه مات لدفنته واستريحت. نحن نريد الحقيقة، نريد أسماء، نريد قبوراً”.
من جانبهم، أشار ناشطون في منظمات حقوقية إلى أهمية توفير ضمانات حقيقية لعمل الهيئة، محذرين من أن تتحول إلى “جهاز بيروقراطي” ما لم تحظَ بصلاحيات واسعة واستقلالية كاملة.
ردود فعل محلية ودولية
وأشادت منظمات حقوق الإنسان، بالخطوة ووصفتها بـ”الأساسية” في مسار العدالة الانتقالية، لكنها طالبت بآليات رقابة دولية تضمن الشفافية.
وطالبت المنظمات الأهلية السورية أيضا بإشراكها في عمل الهيئة لتوثيق الحالات من مصادر موثوقة، خاصة بعد أن نشطت لعقد من الزمن في رصد الاختفاء القسري.
فيما رحب كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بالإعلان، مشددين على أهمية كشف الحقائق ومحاسبة الجناة كجزء من المصالحة الوطنية.
تحديات كبيرة
رغم الترحيب، تواجه الهيئة الوطنية للمفقودين عدة تحديات معقدة، أبرزها ضخامة العدد وتشتت البيانات
بعد 14 عاماً من النزاع، تتوزع الحالات بين مناطق سيطرة فصائل مختلفة، كما أن الوثائق الرسمية نُهبت أو أخفيت أو تلاعب بها النظام السابق، وايضا ضعف الثقة في المؤسسات الحكومية، فلا تزال الثقة الشعبية مهزوزة تجاه أجهزة الدولة، خاصة بعد سنوات من القمع والتعتيم على ملف المعتقلين والمفقودين.
بجانب صعوبة التحقق من هوية الضحايا والمقابر الجماعية، في ظل غياب سجلات دقيقة وفقدان جثامين، ستحتاج الهيئة إلى دعم فني دولي في مجال الطب الشرعي وتحليل الحمض النووي.
هل تنجح الحكومة السورية في المهمة؟
وتعهدت الحكومة الجديدة بإرساء قواعد العدالة الانتقالية، وأعلنت القبض على عشرات المسؤولين السابقين المتهمين بارتكاب “جرائم حرب”، ما يشير إلى جدية مبدئية، لكن نجاح الهيئة سيعتمد على عوامل متعددة الشفافية الكاملة في عملها، وأيضا لاستقلال عن الضغوط السياسية والأمنية، بجانب إشراك المجتمع المدني والضحايا أنفسهم، وأخيرا التعاون الدولي في التوثيق والتحقيق.
وفي حال تمكنت الهيئة من كشف مصير حتى جزء من المفقودين، فإن ذلك سيمثل بداية حقيقية للتعافي الوطني، وفرصة لرد الاعتبار لعائلات أنهكها الانتظار.