الاستهداف المتكرر للمدنيين في قطاع غزة، وخصوصاً النساء والأطفال، لم يعد مجرد نتيجة جانبية لصراع مسلح، بل أصبح جزءاً من نمط واضح ومتكرر يُثير القلق العميق ويطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل المدنيين في هذا القطاع المحاصر، بل وربما وجودهم ذاته. فحين تتحول المدارس إلى مقابر، والملاجئ إلى أهداف عسكرية، ويصبح النزوح المتكرر خيار البقاء الوحيد، فإننا أمام كارثة إنسانية تتجاوز حدود الحرب لتدخل في نطاق الإبادة التدريجية.
استهداف النساء والأطفال
ما جرى فجر اليوم في غزة، حيث سقط 44 شهيداً غالبيتهم من الأطفال والنساء، هو حلقة جديدة في سلسلة طويلة من المجازر التي يتعرض لها سكان القطاع. استهداف محطة وقود، منازل مدنية، ومدرسة تأوي نازحين، يكشف بشكل صارخ عن تجاهل تام لمبدأ “التمييز” في القانون الدولي الإنساني، الذي ينص على ضرورة التفريق بين الأهداف العسكرية والمدنية.
الاستهداف المتعمد أو العشوائي للمدنيين لم يعد بالأمر الجديد في هذا الصراع، لكنه بات يُنفّذ بكثافة غير مسبوقة. وإذا أخذنا في الاعتبار العدد الكلي للضحايا منذ بداية الحرب — أكثر من 53,486 قتيل — فإننا نتحدث عن رقم ضخم يُقارب سكان مدينة متوسطة الحجم. والمؤلم أكثر أن هذه الأعداد تشمل نسباً كبيرة جداً من النساء والأطفال، أي من الفئات التي يُفترض أنها تُحصَّن في الحروب لا تُستهدف.
مجاعة جماعية ونزوح شامل
من الناحية الواقعية، لا يبدو أن هناك ما يردع إسرائيل عن مواصلة هجماتها، خصوصاً في ظل غطاء دبلوماسي وسياسي لا يزال قائماً في بعض العواصم الكبرى، وإن بدأ يتآكل تدريجياً. التهديدات التي أطلقتها دول مثل بريطانيا وفرنسا وكندا مؤخراً باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل إن لم توقف حملتها العسكرية، تبدو خطوة متأخرة أمام واقع يومي يتدهور بشدة. لكنها قد تكون بداية تحوّل في ميزان الضغط الدولي.
إن استمرار القتل بهذا الشكل، في غياب أي أفق سياسي، ومع استمرار الحصار وانهيار الخدمات الأساسية، يقود بشكل تلقائي إلى مجاعة جماعية ونزوح شامل، وربما إلى محاولة تفريغ القطاع من سكانه بشكل قسري، كما حذر بعض الخبراء الدوليين.
جرائم ضد الإنسانية
المأساة في غزة ليست فقط في الأرقام ولا في مشاهد الدمار، بل في هذا الشعور العميق بأن العالم يرى ويسمع… لكنه لا يفعل ما يكفي. والأخطر أن كل يوم يمر دون تدخل دولي حقيقي هو بمثابة ضوء أخضر غير مباشر لاستمرار هذه الجرائم.
إن وقف الحرب وحده لم يعد كافياً، بل يجب أن يترافق مع آليات مساءلة دولية حقيقية، تضمن ألا تمر هذه المجازر دون حساب، وتعيد للضحايا كرامتهم، ولمن بقي من سكان القطاع شيئاً من الأمل في الحياة.
الجريمة المستمرة في غزة ليست فقط ضد الفلسطينيين، بل ضد إنسانية العالم كله.