العملية الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت أحمد سرحان، القيادي في «ألوية الناصر صلاح الدين»، باستخدام وحدة خاصة تنكرت بزي نسائي عربي، تعكس تصعيدًا نوعيًا في أسلوب الاستهداف وتضع حركة «حماس» وحلفاءها أمام مفترق طرق سياسي وعسكري وأخلاقي.
الأسئلة لم تعد تتعلق فقط بجدوى استمرار الحرب، بل بعمق الاستراتيجية التي تتبناها «حماس» منذ السابع من أكتوبر، وخصوصًا بعد أن اتضح أن تبعات هذا الهجوم تجاوزت كل التوقعات الممكنة، وأدخلت غزة في حالة كارثية لم يشهدها التاريخ الفلسطيني المعاصر.
هشاشة الخيارات الاستراتيجية
الاغتيالات المركزة التي تنفذها إسرائيل لا تسعى فقط إلى تصفية قيادات ميدانية، بل تهدف في جوهرها إلى تفكيك البنية الداخلية للحركة، وتحطيم قدرتها على العمل التنظيمي، وفي الوقت نفسه خلق بيئة من الفوضى والردع داخل صفوفها. لكنها تُعرّي في الوقت ذاته هشاشة الخيارات الاستراتيجية التي اتبعتها «حماس». فمع مرور أكثر من سبعة أشهر على الهجوم، أصبحت تداعياته لا تقتصر على الخسائر في الأرواح والممتلكات، بل شملت الانهيار الكامل للبنية التحتية في القطاع، التهجير الجماعي، مجاعة وشيكة، وأزمة إنسانية تعصف بنحو مليوني إنسان.
الاستمرار في الحرب أصبح مع الوقت استنزافًا سياسيًا وأخلاقيًا لحركة «حماس». فكل محاولة للصمود أو الردّ تقابلها موجة أعنف من التدمير، فيما باتت المراهنة على الضغط الشعبي الدولي غير مجدية أمام اختلال موازين القوة وتخاذل مراكز القرار العالمية. ما لم تعترف به الحركة صراحة هو أن هجوم السابع من أكتوبر كان من حيث النتائج كارثيًا. ليس لأن إسرائيل لم تتلق ضربة قوية — بل العكس — ولكن لأن الرد الإسرائيلي، كما هو متوقع، لم يميز بين مقاوم ومدني، ولم يتوقف عند الرد العسكري بل اتخذ طابعًا تدميريًا شاملًا لمجتمع بأكمله.
التمسك بخطاب الصمود
إصرار «حماس» على استمرار القتال رغم الأثمان الفادحة يضع علامات استفهام حول أولوياتها: هل تسعى الحركة فعلًا للحفاظ على غزة كبيئة حاضنة، أم أصبحت رهينة لصراع وجودها كسلطة سياسية؟ إن التمسك بخطاب الصمود في وقت تنهار فيه المدن، وتُباد العائلات، وتُخطف النساء والأطفال، قد يُفسَّر من البعض كعقيدة مقاومة، لكنه يُقرأ من طرف آخر كاستثمار في الدماء لتعزيز شرعية سلطة سياسية مهددة.
الاغتيال الأخير، بما فيه من رمزية وتكتيك معقد، يبعث رسالة واضحة: إسرائيل قادرة على الوصول لأي هدف في أي وقت، حتى في عمق الأحياء المكتظة، وإن استدعى الأمر التنكر الكامل والدخول وسط المدنيين. هذه الرسالة، إلى جانب عمليات القصف المستمرة، تفرض واقعًا لا يمكن تجاهله.
انتحار سياسي
أمام «حماس» اليوم خياران لا ثالث لهما: إما مواصلة القتال حتى الرمق الأخير، وهو خيار يكاد يكون انتحاريًا سياسيًا واجتماعيًا، أو الاعتراف بواقع جديد يتطلب مراجعة شاملة لمجمل خياراتها، بما في ذلك إمكانية التخلي عن السلطة في غزة أو فتح قنوات حوار وطنية أوسع تعيد ترتيب البيت الفلسطيني من جديد.
الوقت لم يعد في صالح الحركة، والاستثمار في “الشرعية من خلال المقاومة” بدأ يفقد قيمته أمام مشاهد الخراب الجماعي وفقدان الثقة الشعبية المتزايدة. فالشعب الذي احتضن المقاومة لعقود لا يمكن أن يُطلب منه أن يستمر في دفع ثمن قرارات كارثية اتُّخذت من دون حساب دقيق للمآلات.