قرار الحكومة الإسرائيلية بالموافقة على بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، خاصة في سياق صفقة سياسية داخلية مع وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، يعكس تصعيدًا خطيرًا في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. هذا القرار لا يمكن فصله عن اللحظة السياسية الحساسة التي تمر بها إسرائيل، حيث تسعى حكومة بنيامين نتنياهو إلى الموازنة بين الضغوط الدولية المتصاعدة بسبب الحرب على غزة، ومتطلبات ائتلافها الحكومي الذي يضم أطرافًا دينية وقومية متطرفة تعتبر التوسع الاستيطاني هدفًا وجوديًا لا تنازل عنه.
إحياء حل الدولتين
تكمن خطورة هذه الخطوة في عدة مستويات. أولًا، على المستوى السياسي، يشكل التوسع في الاستيطان نسفًا فعليًا لأي احتمال لاستئناف مفاوضات السلام أو إحياء حل الدولتين، الذي يعتبره المجتمع الدولي الإطار الوحيد الممكن لتسوية عادلة. كل وحدة استيطانية جديدة تُقام على أراضي الضفة الغربية تساهم في تفتيت الجغرافيا الفلسطينية وتحويل الحلم بإقامة دولة مستقلة إلى واقع مستحيل جغرافيًا وسياسيًا.
ثانيًا، تأتي هذه الخطوة في توقيت حساس للغاية، إذ أن الضفة الغربية تشهد منذ أشهر حالة من التوتر والتصعيد الميداني، مع زيادة وتيرة الاقتحامات واعتداءات المستوطنين على القرى الفلسطينية. وبناء مستوطنات جديدة يعني إشعال فتيل مواجهات جديدة في مناطق ملتهبة أصلًا، مما يعزز احتمالات اندلاع انتفاضة شعبية ثالثة في ظل تآكل الثقة بالمسار السياسي وغياب الأفق.
ابتزاز سياسي مكشوف
ثالثًا، التوسّع الاستيطاني في هذا التوقيت يوجّه صفعة مباشرة للمجتمع الدولي، خاصة للدول التي تمارس ضغوطًا على إسرائيل من أجل وقف الحرب على غزة وإدخال المساعدات. أن تستخدم الحكومة الإسرائيلية قضية إنسانية ملحة، مثل إدخال الغذاء والدواء إلى المدنيين، كورقة مساومة داخلية للحصول على موافقة على مشاريع استيطانية، هو ابتزاز سياسي مكشوف يعكس حجم الانحراف الأخلاقي في أداء الحكومة الحالية.
على المدى البعيد، يهدد هذا النوع من السياسات بإحداث تحوّل خطير في معادلة الصراع، من صراع حدود ودولة، إلى صراع وجودي شامل على الأرض، تكون فيه كل محاولة للتهدئة أو التسوية عبثية. ومع اتساع رقعة المستوطنات، يصبح من الصعب حتى رسم خريطة واضحة للفصل بين الشعبين، مما يعني ترسيخ نظام فصل عنصري (أبارتهايد) قائم على السيطرة الإسرائيلية الكاملة وحرمان الفلسطينيين من حق تقرير المصير.
تقويض مكانة إسرائيل الدولية
سيؤدي هذا التوسع الاستيطاني إلى تقويض مكانة إسرائيل الدولية بشكل أعمق، خاصة في ظل تزايد الإدانات الأوروبية وتهديدات بعض العواصم الكبرى باتخاذ إجراءات فعلية ضد الاحتلال. العالم الذي يغض الطرف أحيانًا لأسباب سياسية بات يشهد تحولًا في الرأي العام، وغضبًا متناميًا من السياسات الإسرائيلية، سواء في غزة أو الضفة، ما يجعل استمرارية هذا النهج مخاطرة استراتيجية قد تدفع إسرائيل ثمنها على المدى المتوسط والبعيد.