يشهد المغرب تحولات غير مسبوقة في مسيرته نحو تحقيق أمنه الطاقي والمائي، من خلال شراكة استراتيجية جديدة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، تتجاوز الأبعاد التقنية لتؤسس لرؤية تنموية عابرة للقطاعات. وتأتي هذه الخطوة في سياق سعي المملكة لتعزيز مكانتها كمركز إقليمي في مجال الطاقات المتجددة وتحلية المياه، ضمن رؤية طموحة تمتد حتى عام 2030.
استثمارات ضخمة تؤسس لمرحلة جديدة
في إعلان وصف بالتاريخي، كشف ائتلاف مغربي-إماراتي عن توقيع اتفاقيات استثمار مع الحكومة المغربية بقيمة تناهز 14 مليار دولار، تهدف إلى تطوير بنية تحتية متقدمة لإنتاج الكهرباء من مصادر متجددة وتحلية مياه البحر. وتعد هذه المشاريع، التي من المقرر تنفيذها على مدى السنوات الخمس المقبلة، نقلة نوعية في جهود المغرب لتحقيق تحول طاقي منخفض الكربون وتعزيز سيادته المائية.
الائتلاف الذي يضم صندوق محمد السادس للاستثمار (مؤسسة عمومية)، وشركة “طاقة المغرب” التابعة لمجموعة طاقة الإماراتية، وشركة ناريفا التابعة للهولدينغ الملكي المغربي، أوضح في بيانه المشترك أن الاتفاقيات تشمل إنشاء شبكات نقل كهرباء بطول 1400 كيلومتر، وربط محطات الطاقة الريحية في الأقاليم الجنوبية بمدينة الدار البيضاء، بطاقة إنتاجية تقدر بـ 1200 ميغاواط.
رؤية متكاملة للطاقة والماء
بموازاة مشاريع إنتاج الكهرباء، يتضمن البرنامج إنشاء محطات متطورة لتحلية مياه البحر بطاقة إجمالية تصل إلى 900 مليون متر مكعب سنويًا، سيتم تشغيلها بالكامل باستخدام الطاقة المتجددة. وتهدف هذه الخطوة إلى التصدي للتحديات المائية الهيكلية التي تواجهها المملكة، خاصة في ظل تزايد فترات الجفاف وتراجع الموارد الطبيعية.
التحلية أصبحت رهانًا استراتيجيًا للمغرب، إذ تسعى الحكومة إلى رفع الطاقة الإنتاجية من 270 مليون متر مكعب سنويًا، إلى ما يزيد عن 1.7 مليار متر مكعب بحلول عام 2030، بما في ذلك حصة موجهة للقطاع الزراعي. وفي هذا الإطار، يشمل البرنامج إنشاء طريق سيار مائي لنقل 800 مليون متر مكعب من المياه من شمال البلاد إلى وسطها، في ثاني مشروع من نوعه على المستوى الوطني.
تجسيد للرؤية المغربية الإماراتية المشتركة
تأتي هذه الاتفاقيات تتويجًا للعلاقات الوثيقة بين المغرب والإمارات، التي توجت بإعلان مشترك بين الملك محمد السادس والشيخ محمد بن زايد آل نهيان في أبوظبي أواخر عام 2023، يتضمن التزامًا بتنفيذ مشاريع استراتيجية في مجالات الطاقة والمياه. ويُعد هذا التعاون امتدادًا لتقارب سياسي واقتصادي يعكس ثقة متبادلة ورغبة مشتركة في بناء نموذج تنموي قائم على الاستدامة.
نقلة نوعية في خريطة الطاقة
من جهته، أكد عبد المجيد العراقي الحسيني، رئيس مجلس الإدارة الجماعية لشركة “طاقة المغرب”، أن هذه الشراكة تمثل نقلة نوعية في مسار المملكة نحو التخلص التدريجي من الكربون، وتعزيز إدماج الطاقات المتجددة في المنظومة الوطنية. كما شدد على أن المشاريع المرتقبة ستسهم في توسيع محفظة الأصول الطاقية وتحقيق الاكتفاء في مجال إنتاج الكهرباء والمياه.
ويُذكر أن “طاقة المغرب” تعتبر أكبر منتج خاص للكهرباء في المملكة، حيث تدير المحطة الحرارية الكبرى في الجرف الأصفر، وهي واحدة من أكبر منشآت إنتاج الكهرباء بالفحم في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وتبلغ حصة شركة أبوظبي الوطنية للطاقة “طاقة” فيها نحو 85 بالمئة.
كما يتضمن البرنامج توسيع محطة تحدارت لتوليد الكهرباء من الغاز الطبيعي في شمال شرق المغرب، في خطوة إضافية نحو تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، الذي لا يزال يشكل نحو 90 بالمئة من الاستهلاك الوطني الحالي.
نحو مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا
تمثل هذه الشراكة المغربية الإماراتية علامة فارقة في مسار التنمية المستدامة في المملكة، ليس فقط من حيث حجم الاستثمارات أو تنوع المشاريع، بل من حيث الرؤية المتكاملة التي تربط بين أمن الطاقة والأمن المائي، في وقت تتزايد فيه التحديات البيئية والاقتصادية عالميًا.
وإذا ما تم تنفيذ هذه المشاريع وفقًا للجدول الزمني المحدد، فإن المغرب سيكون على موعد مع تحول طاقي عميق يعزز موقعه الإقليمي، ويمهد لبناء نموذج اقتصادي جديد أكثر مرونة واستدامة، يضمن مستقبلاً أكثر أمانًا وازدهارًا للأجيال القادمة.