رغم إشارات التحسن المحدود في الوضع الغذائي في لبنان، لا تزال البلاد تواجه أزمة مركبة في الأمن الغذائي، يعززها تدهور البنية التحتية والركود الاقتصادي وتراجع المساعدات الإنسانية. ووفقاً لتقرير حديث صادر عن وكالات الأمم المتحدة، فإن هذه الأزمة مرشحة للتفاقم خلال الأشهر المقبلة، ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة وفعالة لاحتواء تداعياتها.
يشير التقرير إلى أن التحسن الطفيف في الأمن الغذائي خلال الفترة الأخيرة يعود أساساً إلى وقف إطلاق النار الذي جرى تنفيذه في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، إضافة إلى زيادة مؤقتة في حجم مساعدات الأمن الغذائي التي استهدفت الفئات الأكثر هشاشة. غير أن هذا التحسن لا يخفي حجم التحديات البنيوية العميقة التي تعوق أي جهود جدية للتعافي، في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم، إلى جانب تباطؤ وتيرة تمويل المساعدات الدولية.
مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي تطال اللبنانيين واللاجئين
من بين إجمالي السكان الذين شملهم التحليل، يعاني أكثر من 590 ألف لبناني – ما يمثل نحو 15% من السكان المقيمين – من انعدام حاد في الأمن الغذائي. أما بين اللاجئين السوريين، فتبلغ نسبة المتضررين 37%، بما يعادل 515 ألف شخص، بينما يعاني 30% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان (نحو 67 ألف شخص) من ظروف غذائية قاسية.
ويحذر التقرير من أن هذه الفئات السكانية، التي تعاني أصلًا من هشاشة معيشية، بحاجة ماسة إلى تدخلات عاجلة تحول دون مزيد من التدهور. وتبرز مناطق بعلبك والهرمل وبعبدا وبنت جبيل ومرجعيون والنبطية وصور وعكار باعتبارها من بين الأكثر تضرراً على مستوى البلاد.
توقعات قاتمة للفترة المقبلة: 1.24 مليون شخص مهددون
رغم التهدئة الأمنية، يُتوقع أن تزداد معدلات انعدام الأمن الغذائي في الفترة الممتدة من يوليو/تموز إلى أكتوبر/تشرين الأول 2025، لتشمل ما يصل إلى 1.24 مليون شخص، أي نحو 23% من إجمالي السكان الذين شملهم التحليل. وتشير الأمم المتحدة إلى أن الأسباب البنيوية للأزمة، وعلى رأسها الأضرار الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها الصراع، لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على الوضع العام.
وقدّرت الأمم المتحدة حجم الأضرار الناجمة عن الصراع بنحو 14 مليار دولار، وهو ما ألحق خسائر جسيمة بالاقتصادات المحلية وسبل عيش الأسر، لا سيما في المناطق الأكثر تأثراً بالنزاع.
النزوح والضغوط الديموغرافية يزيدان تفاقم الأزمة
رغم عودة ما يقارب 967 ألف شخص إلى مناطقهم حتى أوائل أبريل/نيسان 2025، لا تزال آثار النزوح تشكل مصدر ضغط على البنية التحتية والخدمات، خاصة في ظل وجود نحو 100 ألف نازح داخلياً واستمرار تدفق اللاجئين من سوريا. وتضاعفت التحديات نتيجة هذا الضغط الديموغرافي، ما زاد من تعقيد الاستجابة الإنسانية وفاقم من الطلب على الموارد المحدودة أصلاً.
تضرر الزراعة وانخفاض الإنتاج المحلي يعمقان الأزمة
من العوامل الأساسية التي فاقمت انعدام الأمن الغذائي تضرر البنية التحتية الزراعية، بما في ذلك أنظمة الري والمخازن ومرافق الإنتاج. وأدى الوصول المحدود إلى المدخلات الزراعية والاضطراب في الدورات الإنتاجية إلى انخفاض ملحوظ في غلة المحاصيل، مما انعكس سلباً على توفر الغذاء في السوق المحلي وعلى دخل الأسر الزراعية.
العجز في التمويل الإنساني يُنذر بمزيد من التدهور
يشير التقرير إلى أن التراجع في حجم المساعدات الدولية يشكل أحد أبرز العوامل التي ستسهم في تدهور الأمن الغذائي خلال الأشهر القادمة. وقد حذّرت الأمم المتحدة من أن الفجوة الكبيرة في تمويل خطط الاستجابة الإنسانية تشكل تهديداً مباشراً لبرامج الدعم الغذائي.
فمن أصل 371 مليون دولار طلبتها الأمم المتحدة ضمن نداء عاجل للبنان، لم يتم تأمين سوى 22% فقط، ما يترك فجوة تمويلية قدرها 289 مليون دولار. ويرجّح التقرير أن يؤدي هذا النقص في التمويل إلى تعطيل العديد من برامج الإغاثة الحيوية، وبالتالي إلى توسيع رقعة الجوع والفقر.
خلاصة المشهد
على الرغم من بعض المؤشرات الإيجابية المرتبطة بوقف إطلاق النار وزيادة المساعدات المؤقتة، فإن الوضع العام في لبنان لا يزال هشاً، ومعرضاً لمزيد من الانحدار ما لم يتم التصدي للعوامل البنيوية التي تعوق التعافي. وفي ظل استمرار النزوح، وتضرر القطاعات الحيوية، وغياب التمويل الكافي، يبدو أن أزمة الأمن الغذائي في لبنان مرشحة للتفاقم، مما يستدعي استجابة دولية عاجلة واستراتيجية إنعاش شاملة تتجاوز الحلول المؤقتة.