تُواصل السعودية ضخ استثمارات ضخمة في مشاريع الطاقة النظيفة، دون التخلي عن التوسع في مشاريع الطاقة التقليدية، في مسار مزدوج يهدف إلى ضمان استدامة اقتصادية وبيئية طويلة الأمد. وتستهدف المملكة، ضمن “رؤية 2030” ومبادرة “السعودية الخضراء”، توليد نصف احتياجاتها من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، في خطوة تعدّ من بين أكثر المشاريع الطموحة في المنطقة.
برنامج “بيزنس ويك” على شاشة “الشرق” ناقش هذا التوجه، متناولًا أبرز المشاريع المطروحة والتحديات التي تواجه تحقيق هذا الهدف، في ظل استمرار الاعتماد الكبير على النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي.
مشاريع ضخمة تتصدرها الطاقة الشمسية والهيدروجين
في طليعة المشاريع التي تسعى المملكة من خلالها إلى تحقيق تحولها الطاقي، يبرز مشروع “نيوم للهيدروجين الأخضر”، الذي من المقرر أن يبدأ الإنتاج في عام 2026 بطاقة يومية تبلغ 600 طن من الهيدروجين الأخضر، مستندًا إلى بنية تحتية للطاقة المتجددة بقوة 4 غيغاواط. ويُعد المشروع جزءًا من منظومة أشمل من المشاريع التي تركز على طاقتي الشمس والرياح، حيث تعمل السعودية على تطوير عدد من المحطات التي تهدف إلى خفض الانبعاثات وتعزيز الاعتماد على الطاقة النظيفة في مزيج الكهرباء.
مقاربة مزدوجة: بين الاستدامة والحفاظ على الريادة النفطية
خلال مداخلة في البرنامج، أشار فهد بن جمعة، عضو لجنة الاقتصاد والطاقة في مجلس الشورى سابقًا، إلى أن المشاريع التي تنفذها الحكومة السعودية تعكس التزامًا حقيقيًا بتحقيق مستهدفات التحول الطاقي، دون أن يؤدي ذلك إلى تهميش دور النفط والغاز. واعتبر أن المملكة تنتهج مسارًا متوازنًا بين تأمين إيرادات الطاقة التقليدية – التي لا تزال تمثل نحو 70% من صادراتها – وبين التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة.
ووفق بن جمعة، فإن تعزيز الاستثمارات في قطاع النفط والغاز يتيح للسعودية الاستمرار في لعب دور محوري في سوق الطاقة العالمية، كما يؤمّن الموارد المالية اللازمة لتمويل المشاريع الخضراء، في وقت لا تزال فيه الحاجة إلى الطاقة التقليدية قائمة عالميًا.
المسار النووي: توطين التكنولوجيا والاستعداد للمستقبل
في سياق متصل، تناول بن جمعة جهود المملكة في مجال الطاقة النووية، مشيرًا إلى أن السعودية تخطط لتوطين هذه التقنية بالتعاون مع عدد من الدول، على رأسها الولايات المتحدة والصين، ضمن شراكات استراتيجية تهدف إلى نقل المعرفة وبناء القدرات. ولفت إلى أن إنشاء مفاعل نووي يتطلب فترة زمنية لا تقل عن سبع سنوات، ما يجعل المشروع خيارًا طويل الأمد يتطلب تخطيطًا واستعدادًا مسبقًا.
وتُعد مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة أحد أبرز المراكز البحثية التي أُنشئت لهذا الغرض، وتعمل على تطوير الكفاءات وتأهيل المختصين في هذا المجال، تمهيدًا لإطلاق مشاريع نووية مدنية ذات طابع سلمي.
تنمية المهارات البشرية كركيزة أساسية للانتقال الطاقي
اختتم بن جمعة مداخلته بالتأكيد على أن أي تحول طاقي ناجح لا يمكن أن يتحقق دون استثمار حقيقي في العنصر البشري. وأشار إلى أن السعودية تعمل حاليًا على إعداد كوادر مؤهلة في مجالات الطاقة النظيفة، سواء عبر برامج التعليم المحلي أو عبر الابتعاث إلى جامعات دولية مرموقة. هذا التوجه، بحسب قوله، سيضمن جاهزية الكفاءات السعودية لتشغيل وإدارة المشاريع الجديدة بكفاءة عالية، ويُسهم في بناء اقتصاد وطني قائم على الابتكار والاستدامة.