تواجه الحكومة الإسرائيلية في الوقت الراهن أزمات متلاحقة من جانب المعارضة، والشارع الإسرائيلي المشتعل غضبًا، ويعكس ذلك التصريحات النادرة واللافتة التي أطلقها عميت هليفي، العضو المفصول من لجنة الخارجية والأمن في الكنيست والمنتمي لحزب “الليكود” نفسه، الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. هذه التصريحات لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق العام الذي تعيشه إسرائيل منذ بدء الحرب على غزة، والتي دخلت شهرها العشرين دون تحقيق ما كانت تُسوَّق له الحكومة من أهداف استراتيجية واضحة أو نتائج محسومة.
غليان في إسرائيل
في وصفه للحرب بأنها “احتيالية”، يتهم هليفي القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية بالكذب بشأن إنجازات الحرب، معتبراً أن الخطة العسكرية المتبعة منذ أشهر طويلة فاشلة. هذه الكلمات القاسية لا تعكس فقط موقفاً فردياً، بل تفضح حجم الغليان داخل المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية، خصوصاً مع تزايد الانتقادات الموجهة لنتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس من داخل معسكرهم السياسي.
التشكيك في جدوى العمليات العسكرية، والتلميحات إلى التلاعب بالمعلومات المقدمة للرأي العام، تكشف عن شرخ عميق بين أقطاب الحكم، وعن حالة من انعدام الثقة داخل الدوائر السياسية والأمنية. كما أنها تسلط الضوء على أزمة قيادة داخل إسرائيل، حيث يُنظر إلى نتنياهو من قبل منتقديه على أنه يوظف الحرب لإطالة أمد بقائه السياسي، لا لإنهاء تهديد حركة حماس أو ضمان أمن دائم للإسرائيليين.
تراجع اقتصادي وضغوط سياسية
هذا الانقسام الداخلي في الحكومة لا ينبع فقط من الخلافات العسكرية أو الأمنية، بل يتغذى أيضاً من الضغوط الشعبية والدولية. داخلياً، تواجه الحكومة مظاهرات متزايدة من عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة، والذين يشعرون بأن مصير أبنائهم بات ورقة تفاوضية ثانوية في حرب طويلة بلا نهاية. كما أن المجتمع الإسرائيلي نفسه بدأ يظهر علامات الإنهاك، في ظل استمرار العمليات العسكرية وتزايد الخسائر، والتراجع الاقتصادي، والضبابية بشأن المستقبل.
أما على الصعيد الدولي، فقد ازدادت الضغوط السياسية والحقوقية على إسرائيل مع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة. وتتصاعد المطالب الغربية – حتى من حلفاء تقليديين – بضرورة وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات. هذا الضغط الدولي، إلى جانب التصدع الداخلي، قد يشكلان معاً عاملاً ضاغطاً يُجبر الحكومة على مراجعة خياراتها.
انفجار داخلي يهدد نتنياهو
إن الانقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية ليست مجرد اختلافات في وجهات النظر، بل هي دليل على أزمة استراتيجية عميقة تهدد بتمزيق تماسك القيادة في وقت حساس. وإذا استمرت هذه الانقسامات وتزايدت الضغوط الشعبية والدولية، فقد تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها أمام خيارين: إما التوصل إلى تسوية تُنهي الحرب، أو مواجهة انفجار داخلي قد يطيح ببنيامين نتنياهو نفسه من سدة الحكم.