ما أعلنته صحيفة تايمز أوف إسرائيل عن موافقة مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، على إنشاء 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية ليس مجرد خطوة سياسية أو أمنية، بل هو فصل جديد في سياسة التوسع الاستيطاني الإسرائيلية، التي تثير منذ عقود جدلاً قانونياً ودولياً واسعاً، وتمسّ بجوهر النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي.
مشروع إسرائيل الكبرى
بدايةً، لا يمكن فصل هذا القرار عن السياق السياسي الإسرائيلي الداخلي؛ فوزير الدفاع يسرائيل كاتس، ووزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، هما من أبرز الداعمين لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، ويعكسان تياراً في الحكومة اليمينية الحالية يؤمن بأن هذه الأراضي يجب أن تكون جزءاً من “إسرائيل الكبرى”. المشروع المطروح لا يهدف فقط إلى تعزيز الوجود الإسرائيلي في الضفة، بل يركّز على التحكم في الشرايين الحيوية التي تربط القدس بتل أبيب، تحديداً عبر الطريق 443، مما يخلق نوعاً من الفصل الجغرافي والسكاني بين التجمعات الفلسطينية، ويعزز التواصل الجغرافي بين المستوطنات الإسرائيلية.
لكن، هل يحق لإسرائيل قانونياً بناء هذه المستوطنات؟ هنا ندخل إلى قلب الإشكالية القانونية:
وفقاً للقانون الدولي، وتحديداً اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، تُعتبر الضفة الغربية “أراضي محتلة”، وبالتالي فإن نقل سكان الدولة المحتلة (أي إسرائيل) إلى هذه الأراضي، من خلال إنشاء مستوطنات مدنية، يُعد انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي. هذا ما تؤكده محكمة العدل الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، خصوصاً قرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016، الذي نص بشكل صريح على أن المستوطنات ليس لها “شرعية قانونية” وتشكل “انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي”.
منع إقامة دولة فلسطينية
من الناحية السياسية، تعني هذه المستوطنات الجديدة تقويضاً لأي فرصة مستقبلية لحل الدولتين، حيث أن التوسع الاستيطاني يجعل من الصعب إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً. والمفارقة أن هذا القرار يأتي في وقت تتصاعد فيه الضغوط الدولية على إسرائيل بسبب العدوان على غزة، ما يعني أن حكومة نتنياهو تحاول “تعزيز الجبهة الداخلية” وطمأنة المستوطنين، بينما ترسل رسالة واضحة بأنها لا تعتزم وقف سياسة فرض الوقائع على الأرض.
في الواقع، هذه السياسة تمثل شكلاً من الضم التدريجي (De Facto Annexation)، حيث تسعى إسرائيل لتكريس سيطرتها على الضفة عبر الحزام الاستيطاني، ما يقلص الأراضي الفلسطينية ويعيد تشكيل خارطة الصراع لصالحها. الفلسطينيون في المقابل يجدون أنفسهم أمام خريطة تتفتت يوماً بعد يوم، وواقع تتحول فيه أراضيهم إلى جيوب معزولة ومحاصرة، دون أي قدرة حقيقية على الدفاع عن حقهم في تقرير المصير.
تقويض القانون الدولي
من الواضح أن التوسع الاستيطاني لا يمكن فصله عن منظومة الاحتلال، وهو ليس مجرد سياسة مؤقتة، بل إستراتيجية طويلة الأمد لفرض الأمر الواقع وتغيير طبيعة الأرض والسكان في الضفة الغربية. ورغم رفض العالم لهذه السياسات، فإن غياب محاسبة حقيقية لإسرائيل يجعل من كل قرار استيطاني خطوة أخرى نحو تقويض القانون الدولي ومبادئ العدالة.