في غزة، لا تعني كلمة “الاستعداد للامتحانات” ما تعنيه في باقي أنحاء العالم. هنا، لا يراجع الطلاب دروسهم على طاولات مرتبة تحت إنارة جيدة، ولا يضعون الجداول على جدران غرفهم ويضبطون المنبهات على مواعيد الدراسة. هنا، تجري المذاكرة على ضوء الشموع، أو أحيانًا على نور القذائف التي تمزق الليل وتغمر السماء بلون الموت.
مذاكرة وسط الانفجارات
محمد، طالب توجيهي من خان يونس، يعيش في خيمة نزوح منذ أن قصف منزله في بداية العدوان. دفتره الممزق هو كل ما تبقى له من عام دراسي حاول أن يبدأه. يقول إن حلمه أن يصبح طبيبًا لم يتغير، لكنه أصبح حلمًا محاصرًا مثل مدينته. يقرأ دروس الأحياء بصوت منخفض تحت البطانية التي تغطيه وأخوته، خوفًا من أن يسمعه الجنود المتوغلون قرب مخيمهم. ورقة الامتحان التي يحلم بها كل ليلة تتداخل مع كوابيس الطائرات بدون طيار، وصوت الانفجارات صار هو “مؤقت المذاكرة”.
أما رنا من حي الشجاعية، فقد كانت في منتصف درس الكيمياء حين سقط صاروخ على بيت الجيران. دفعت بالكتاب تحت وسادتها وهربت مع أمها وأخوتها إلى المدرسة التي تحولت لمأوى. لم تعد تملك قلمًا، لكنها ما زالت تحفظ المعادلات الكيميائية وتكررها لنفسها كلما غفت قليلاً وسط الازدحام. كانت تقول دائمًا: “بدي أطلع مهندسة، أرجع أبني غزة.”، لكنها الآن تسأل نفسها: هل تبقى شيء يمكن بناؤه؟
صمود الطلاب
سامر، طالب توجيهي من غزة لكنه نزح إلى مصر، يعيش في حالة اغتراب صعب. يفتقد مدرسته وأصدقاءه، ويشعر بالذنب لأنه في مكان آمن بينما زملاؤه يتعرضون للقصف. يتابع المراجعات عبر الإنترنت، ويستعد للامتحان داخل قاعة صغيرة في السفارة الفلسطينية. يقول إن ورقة الامتحان ستكون معركة ثانية، بعد معركة الهروب من الحرب، وإن نجاحه سيكون أقل ما يمكن فعله لأجل من بقي هناك.
الامتحانات في غزة ليست اختبارًا في الرياضيات أو اللغة، بل اختبار في الصبر، في المقاومة، في البقاء حيًا كي تحل سؤالًا. الكتب هنا لها رائحة تراب وموت، والدفاتر تحمل بصمات النزوح، والأقلام تكتب بالأمل قبل أن تكتب بالمداد.
طلاب غزة اليوم لا يتنافسون على الدرجات، بل على البقاء. الامتحان الحقيقي ليس في ورقة الوزارة، بل في مشهد طفل يراجع تحت الدخان، وأم تهمس بالدعاء، وشعب يصر على أن يمنح أبناءه لحظة انتصار صغيرة في زمن الهزائم الكبرى.