في مشهد يعكس تحركًا دبلوماسيًا محسوبًا من جانب دمشق، جدد وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، دعوة بلاده إلى الالتزام باتفاقية فصل القوات لعام 1974 الموقعة مع إسرائيل، مؤكدًا أن سوريا لا تسعى إلى الحرب، بل إلى إعادة الإعمار والاستقرار. جاءت تصريحاته خلال مؤتمر صحافي مشترك مع المفوضة الأوروبية دوبرافكا شويتسا في العاصمة دمشق، ضمن زيارة أوروبية ذات دلالات لافتة.
تحرك دبلوماسي في لحظة إقليمية متوترة
الرسالة السورية جاءت واضحة في توقيتها ومضمونها: رفض الانجرار إلى حرب شاملة رغم تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية على الأراضي السورية، خاصة بعد إعلان إسرائيل في ديسمبر الماضي انهيار اتفاقية 1974 واحتلال جيشها المنطقة العازلة في الجولان.
تجديد المطالبة السورية بتطبيق الاتفاق، الذي رسم الخطوط الفاصلة وأسس لمنطقة منزوعة السلاح منذ نهاية حرب أكتوبر، يبدو محاولة لإعادة التوازن القانوني والدبلوماسي إلى ساحة مشوشة بالأطماع الإقليمية والانفلات الأمني. وهو أيضًا تذكير للمجتمع الدولي بأن دمشق – حتى بعد الحرب – ما تزال تملك أوراقًا سياسية تُبقيها جزءًا من المعادلة.
دمشق تستثمر في الدعم الأوروبي
في المؤتمر الصحافي نفسه، أثنى الشيباني على “الدور الحيوي” الذي أداه الاتحاد الأوروبي في دعم سوريا، وخصّ بالذكر استقباله اللاجئين السوريين الهاربين من ما وصفه بـ”جرائم النظام البائد”. كما أكد استعداد سوريا للانخراط مجددًا مع المؤسسات الأوروبية، في موقف يشير إلى توجه دبلوماسي منفتح على شراكات اقتصادية وسياسية بعد سنوات من العزلة الدولية.
هذه اللغة الجديدة في الخطاب الرسمي السوري تجاه أوروبا لا يمكن فصلها عن مساعي ما بعد الحرب، والتي تراهن على تخفيف العقوبات، وتطبيع العلاقات مع الأطراف الغربية، بالتوازي مع التفاهمات القائمة مع شركاء مثل روسيا وإيران.
اعتداءات إسرائيل وتحديات الداخل
لم يغفل الشيباني التطرق إلى الداخل السوري، مشيرًا إلى أن البلاد ما تزال تواجه تهديدات من “فلول النظام البائد” وجماعات مسلحة تستهدف المدنيين. واعتبر أن هذه الهجمات، لو حدثت في دول أخرى، “لتم تصنيفها إرهابًا”، في محاولة لإعادة توجيه سردية الحرب السورية نحو منطق قانوني يربط بين حق الدولة في الدفاع وبين مكافحة الإرهاب.
في هذا السياق، تأتي الإشارة إلى الاعتداءات الإسرائيلية بوصفها انتهاكًا مباشرًا للسيادة، وتوفيرًا لغطاء للجماعات التي تسعى إلى زعزعة الاستقرار – وهي رواية تسعى دمشق من خلالها لحشد دعم دولي لتأكيد حقها في الرد والدفاع، مع الحرص على عدم الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع تل أبيب.
اتفاقية 1974: ماذا تبقى من الخط الأحمر؟
اتفاقية فصل القوات التي وُقّعت في أعقاب حرب 1973 كانت بمثابة خط أحمر ضمني حافظ على هدوء نسبي في الجبهة السورية-الإسرائيلية لأكثر من أربعة عقود. لكنها باتت اليوم جزءًا من ذاكرة سياسية أكثر منها واقعًا فعليًا، بعد أن انتهكتها إسرائيل مرارًا، وانكمش الدور الأممي في مراقبة المنطقة العازلة.
عودة دمشق للمطالبة بتفعيل الاتفاقية تُعد إشارة مزدوجة: أولًا، التمسك بمرجعيات ما قبل الحرب الأهلية كإطار قانوني يضبط حدود العلاقات الإقليمية؛ وثانيًا، تحذير ضمني من أن استمرار التجاوزات قد يفتح الباب أمام خيارات غير مرغوبة.