يمثل الإغلاق الإسرائيلي الشامل للضفة الغربية، إلى جانب إخلاء المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، تطورًا مقلقًا يعكس تصعيدًا منهجيًا في السياسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وخصوصًا في سياق تزامنه مع الحرب المستمرة على قطاع غزة. هذا النهج يُعيد إنتاج نمط السيطرة الشاملة الذي تتبعه إسرائيل في لحظات التوتر، لكنه هذه المرة يكتسب أبعادًا أكثر حدة وخطورة.
معتقلات مفتوحة
من الناحية الرمزية، فإن إخلاء المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي لا يُعد مجرد إجراء أمني بل يُنظر إليه فلسطينيًا كاعتداء مباشر على الهوية الدينية والوطنية، وتعدٍ على أماكن تمثل جوهر الصراع. مثل هذه الخطوات تُشعل مشاعر الغضب، وتُرسّخ قناعة لدى الفلسطينيين بأن إسرائيل تسعى لتغيير الواقع القائم في الأماكن المقدسة، في ظل صمت أو عجز المجتمع الدولي.
أما على مستوى الحياة اليومية في الضفة الغربية، فإن الإغلاق الكامل يترك أثرًا بالغًا على حركة السكان، والاقتصاد المحلي، والوصول إلى الخدمات الأساسية. المدن تتحول إلى ما يشبه المعتقلات المفتوحة، والمعابر تغلق، والعمال يُمنعون من الوصول إلى أماكن عملهم داخل الخط الأخضر، في مشهد يُضاعف من أزمات الفقر والبطالة. هذا النوع من العقاب الجماعي يعمّق الشعور بالاضطهاد، ويُغذّي الكراهية والاحتقان، ما يجعل الانفجار الشعبي احتمالًا واقعيًا في أي لحظة.
حصار المجتمع الإسرائيلي
سياسيًا، يبدو أن إسرائيل تسعى من خلال هذا الإغلاق إلى منع أي تمدد للحراك الشعبي أو العمليات الفدائية من الضفة الغربية، خاصة بعد تصعيدها ضد إيران، في محاولة لتأمين الجبهة الداخلية من الداخل الفلسطيني. لكن مثل هذا النهج، بدلًا من تعزيز الأمن، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، خصوصًا مع الدفع بلواء “ناحل” من غزة إلى الضفة، في خطوة قد تُفسر بأنها استعداد لحملة عسكرية جديدة هناك.
التأثير النفسي لهذه الإجراءات لا يقل خطورة. فالمجتمع الفلسطيني يعيش حالة من الحصار المركّب: في غزة بالقصف والتجويع، وفي الضفة بالإغلاق والعزل، وفي القدس بالإبعاد عن المقدسات. هذا الواقع يخلق بيئة من الضغط المتصاعد، ويُفقد كثيرين الثقة في المسارات السلمية أو جهود الأمم المتحدة، رغم صدور قرار يدين استخدام التجويع كسلاح ويطالب بوقف فوري لإطلاق النار.
إن الإغلاق الحالي للضفة وإخلاء الأقصى يمثلان تصعيدًا خطيرًا ضمن سياسة متكاملة تهدف إلى السيطرة الكاملة على الأرض والهوية والمعابر. لكنه أيضًا يدفع الفلسطينيين أكثر نحو اليأس، وربما المقاومة، ويضع المنطقة على حافة انفجار جديد، لا سيما في ظل استمرار المجازر في غزة وصمت العالم.