تسلّط تصريحات المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيليب لازاريني، الضوء مجددًا على الكارثة الإنسانية المتصاعدة في قطاع غزة، وسط تراجع واضح للاهتمام الدولي وتحول بوصلة الإعلام والرأي العام العالمي إلى بؤر توتر أخرى. حديث لازاريني لا يعكس فقط واقعًا مأساويًا، بل يكشف عن فشل منهجي في إدارة أزمة إنسانية هي من بين الأشد قسوة في العالم المعاصر.
سياسة حصار ممنهجة
ما قاله لازاريني بشأن مقتل وإصابة العشرات ممن كانوا يحاولون الحصول على الغذاء يقدّم صورة دامغة عن الوضع الإنساني المتدهور في غزة، ويُبرز كيف باتت عمليات توزيع المساعدات نفسها محفوفة بالموت، وليست مجرد وسيلة للنجاة. مصطلح “نظام توزيع مميت” الذي استخدمه ليس توصيفًا عابرًا، بل اتهامًا مبطّناً لآلية فرضت على المدنيين الجوعى أن يخاطروا بحياتهم في سبيل كيس طحين أو علبة طعام، وسط بيئة أمنية وعسكرية تتحكم فيها إسرائيل بشكل يكاد يكون مطلقًا.
تشير التصريحات أيضًا إلى أن المساعدات الإنسانية، رغم توفرها، لا تزال محتجزة على أعتاب القطاع، في ظل استمرار القيود الإسرائيلية على إدخالها. وهذا الوضع لا يعكس عجزًا لوجستيًا، بل يُعدّ جزءًا من سياسة حصار ممنهجة تجعل من المساعدات أداة للضغط السياسي والعسكري.
معادلة مختلة
في هذا السياق، يعاني المدنيون من انقطاع خدمات أساسية كالمياه والصحة، ليس فقط بفعل الحرب بل بسبب النقص الحاد في الوقود، ما يؤدي إلى تعطل محطات الضخ والتعقيم والمستشفيات.
الأخطر في كلام لازاريني هو ما يتعلق بالآثار طويلة الأمد لهذا الوضع، حيث يشير إلى أن استمرار القتل والتجويع لن يؤدي إلى الأمن، بل إلى “المزيد من الحروب وإراقة الدماء”. هذا التصور لا يحمل فقط تحذيرًا أخلاقيًا، بل تحليلًا استراتيجيًا لمعادلة مختلة، فيها يغذّي العنفُ مزيدًا من التطرّف والانفجار، ويُضعف أي أمل في تسوية مستدامة.
انهيار المنظومة الأخلاقية الدولية
الدعوة إلى “الإرادة السياسية والقيادة والشجاعة” تضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته، إذ إن صمت العواصم الكبرى، وتراجع الضغط على الاحتلال الإسرائيلي، يحوّل التقارير الأممية إلى وثائق إدانة مؤرخة، بلا تأثير عملي. في وقت تتطلب فيه الكارثة مقاربات غير تقليدية لإنقاذ السكان، تبقى “الأونروا” محاصرة بدورها، وممنوعة فعليًا من أداء مهمتها الأساسية.
بناءً على هذه التصريحات، يمكن القول إن الأزمة في غزة لم تعد إنسانية فقط، بل سياسية بامتياز، والمساعدات المحاصرة عند المعابر ليست فقط مسألة نقل إمدادات، بل عنوان لانهيار المنظومة الأخلاقية والقانونية الدولية. وفي ظل هذا الانهيار، تستمر المأساة، بينما تنشغل العيون عن موت لا يزال يتكرر كل يوم.