تواجه مصر تحدياً جديداً في ملف الطاقة بعد إعلان إسرائيل إغلاق حقل الغاز الطبيعي «ليفياثان» – أكبر حقولها البحرية في شرق المتوسط – والذي تعتمد عليه مصر في استيراد نحو 800 مليون قدم مكعب من الغاز يوميًا، لتغطية جزء كبير من احتياجاتها المحلية، خاصة في تشغيل محطات الكهرباء.
إزاء هذا التطور، سارعت الحكومة المصرية إلى تفعيل خطة الطوارئ المعتمدة مسبقًا، بهدف الحفاظ على استقرار شبكة الكهرباء وتجنب الانقطاع، مع الالتزام بعدم تطبيق تخفيف الأحمال على المواطنين خلال ذروة الاستهلاك الصيفي.
غلق الحقل.. وأزمة متوقعة في الإمدادات
الحقل الإسرائيلي المغلق يمثل ركيزة أساسية في منظومة استيراد الغاز المصري، وقد أدى توقف الإمدادات فورًا إلى تحرك حكومي عاجل. حيث تم إيقاف ضخ الغاز الطبيعي لبعض الأنشطة الصناعية – وعلى رأسها مصانع الأسمدة – مع الاتجاه لاستخدام المازوت والسولار في تشغيل محطات الكهرباء.
وتأتي هذه الإجراءات في ظل تراجع إنتاج مصر المحلي من الغاز، الذي تسبب في تطبيق خطة لتخفيف الأحمال خلال صيف العامين الماضيين، رغم امتلاك البلاد فائضاً كبيراً في قدرات التوليد.
المازوت والسولار.. بدائل مؤقتة
أكد بيان رسمي صادر عن الحكومة أن خطتها تتضمن رفع استهلاك المازوت والسولار إلى أقصى درجة ممكنة، لتقليل الضغط على الغاز الطبيعي، لا سيما مع محدودية خيارات الاستيراد الفوري. في المقابل، بدأت شركات كبرى مثل “أبو قير للأسمدة” و”موبكو” تنفيذ برامج صيانة فورية لمصانعها، في ظل توقف الإمدادات المخصصة لها.
الإغلاق في صالح مصر مؤقتًا
يرى نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، مدحت يوسف، أن غلق حقل «ليفياثان» في هذا التوقيت قد يكون في صالح مصر مؤقتًا، حيث يقلل من احتمالات تعرض الحقل لأي ضرر أثناء التشغيل نتيجة الصراع المتصاعد في المنطقة، والذي قد يؤثر بشكل مفاجئ على الإمدادات.
وأشار يوسف إلى أن الحكومة تواجه صعوبة في تعويض الفجوة عبر سفن “تغييز” جديدة بسبب قلة المعروض، لذلك تلجأ إلى استخدام المازوت رغم ضعف كفاءته التشغيلية مقارنة بالغاز، مؤكدًا أن قرار وقف إمداد الغاز لمصانع الأسمدة والسيراميك لن يضر الاقتصاد بشكل كبير بسبب انخفاض العوائد التصديرية مقارنة بتكلفة استيراد الغاز.
سفن تغييز وعقود استيراد طويلة الأجل
من جهته، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إن مصر تعاقدت بالفعل على استيراد كميات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال بعقود طويلة الأجل، مع تشغيل ثلاث سفن تغييز بقدرات تصل إلى 2250 مليون قدم مكعب يوميًا، لتأمين الإمدادات في حال أي توقف من المصادر الإقليمية.
وفي السياق ذاته، أكد وزير البترول كريم بدوي أن مصر تمتلك حاليًا 3 سفن تغييز، من بينها السفينة «Energos Power»، والتي ستدخل الخدمة قريبًا في ميناء السخنة، ضمن خطة شاملة لتنويع مصادر الإمداد وضمان استدامة الوقود في ظل التحديات الإقليمية.
65 صفقة غاز جديدة لتأمين السوق
أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، أكد أن مصر أبرمت خلال الفترة الماضية نحو 65 صفقة لاستيراد الغاز المسال، لتأمين احتياجات السوق المحلي وتعويض أي انقطاع في الإمدادات من إسرائيل. وأضاف أن سفينتين جديدتين تم ضمهما لمنظومة التغييز، إحداهما ستبدأ التشغيل خلال أسبوع بقدرة 750 مليون قدم مكعب يوميًا.
وأشار القليوبي إلى أهمية الربط الكهربائي مع السعودية، والذي تصل قدرة المرحلة الأولى منه إلى 1500 ميغاوات، إلى جانب دخول محطات طاقة متجددة بقدرات مضافة تبلغ 1500 ميغاوات، مما يسهم في تقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء.
المتابعة اللحظية والتأمين المستمر
وفي بيان رسمي مشترك، أكدت وزارتا البترول والكهرباء أن هناك متابعة لحظية لحالة الشبكة، وتعزيز مستمر لمرونة منظومة الإمداد، بما يضمن تأمين كميات كافية من الوقود لمحطات التوليد، والحفاظ على استقرار الخدمة الكهربائية في البلاد.
وبينما تستعد مصر لارتفاع استهلاك الكهرباء خلال شهور الصيف، تبقى التحديات قائمة، لكن خطط الحكومة وبدائل الطاقة الموضوعة تسعى إلى ضمان استمرار الخدمة دون انقطاع، في انتظار استقرار الإمدادات الإقليمية وعودة التوازن لمنظومة الطاقة.