في ظل التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، يدفع الفلسطينيون في الضفة الغربية ثمنًا غير مباشر لصراع لم يشاركوا فيه، لكنه يفرض نفسه عليهم من السماء، ففي الأسابيع الأخيرة، تسبب سقوط حطام صواريخ إيرانية تم اعتراضها في الجو، بأضرار جسيمة لمنازل المدنيين، وتسجيل حالات وفاة وإصابات.
وشهدت عدة مدن وقرى فلسطينية في الضفة الغربية سقوط شظايا صواريخ اعتراض جوي، تم إطلاقها من قبل أنظمة الدفاع الإسرائيلية في وجه الصواريخ الإيرانية، ورغم أن هذه العمليات تُجرى على ارتفاعات عالية وبعيدًا عن الأراضي الفلسطينية، إلا أن الحطام غالبًا ما ينتهي به المطاف فوق رؤوس المدنيين، في مشهد يعيد للأذهان الكوارث الطبيعية أكثر مما يعكس صراعًا عسكريًا محسوبًا.
رغم تكرار الحوادث، لا تزال مدن وبلدات الضفة الغربية تفتقر إلى أنظمة إنذار مبكر أو ملاجئ آمنة تُمكن السكان من الاحتماء عند سقوط الحطام، فيعيش المواطنون في حالة من القلق الدائم، يتابعون الأخبار ويتحسسون السماء دون أي وسيلة للوقاية، ما يجعلهم عرضة لمفاجآت قاتلة.
السلطة الفلسطينية تعاني من شح الموارد والإمكانيات، ويبدو أنها غير قادرة على التعامل مع هذا النوع من الأخطار التي تتجاوز قدرتها الأمنية واللوجستية، فالاعتماد على جهات دولية أو تدخلات خارجية لا يمكن أن يكون حلًا دائمًا، في حين يغيب التخطيط المحلي لأي مواجهة محتملة من هذا النوع.
لذلك، يزداد القلق بين السكان من أن تتحول الضفة الغربية إلى ساحة معركة غير مباشرة بين أطراف الصراع الإقليمي، فمع كل موجة تصعيد جديدة بين إيران وإسرائيل، يشعر الفلسطينيون بأنهم محاصرون في معادلة لا تخصهم، لكنها تهدد أمنهم واستقرارهم.
وأثرت الحوادث الأخيرة بشكل واضح على الحياة اليومية للفلسطينيين، حيث اضطر عدد من المدارس لإغلاق أبوابها مؤقتًا، كما شهدت حركة النقل العام والخاص تراجعًا ملحوظًا في بعض المناطق بسبب القلق من تكرار حوادث سقوط الحطام، وأصبح الأهالي يفرضون على أنفسهم “حظر تجول داخلي” خوفًا من الخروج في توقيت خاطئ.
ولم تقتصر تداعيات سقوط الشظايا على الأضرار المادية والجسدية فقط، بل امتدت لتشمل آثارًا نفسية عميقة، خاصة على الأطفال، في مشهد يتكرر في بيوت كثيرة حيث يواجه الأهالي صعوبة في طمأنة أطفالهم في ظل غياب وسائل الحماية الأساسية، وغياب أي أفق لانتهاء هذا الخطر المفاجئ.
وفي ضوء تكرار الحوادث، لابد من ندخل منظمات المجتمع المدني الدولية لحماية المدنيين الفلسطينيين، وتأمين الحد الأدنى من وسائل السلامة مثل أنظمة الإنذار المبكر أو دعم بناء ملاجئ عامة، كما من المهم فتح تحقيقات دولية في مدى قانونية تعريض سكان مناطق غير منخرطة في الأعمال العدائية لهذا النوع من الخطر، والذي قد يُصنف ضمن انتهاكات القانون الدولي الإنساني.
وفي ظل تكرار الحوادث، بدأ السكان يطورون ما يشبه “ثقافة التعايش القسري” مع الخوف، حيث باتت أصوات الانفجارات وسقوط الحطام جزءًا من يومياتهم، ولجأت بعض العائلات إلى تغيير مواقع نومها لتبتعد عن النوافذ، وأخرى أعدّت زوايا في البيوت كأماكن “افتراضية للجوء”، رغم عدم فعاليتها الحقيقية.
وفي النهاية، يبقى المشهد عنوانًا لفشل المجتمع الدولي في حماية أبرياء عالقين بين نيران لا يشعلونها، في الوقت الذي يكون فيه المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية محاصرًا بين السماء والأرض، لا يملك وسيلة للدفاع عن نفسه، ولا خيارًا لتغيير مسار الصواريخ، فبينما تتبادل القوى الكبرى إطلاق النار، يسقط الحطام على رؤوس من لا صوت لهم.