رغم الظروف الأمنية المعقدة التي تعيشها الضفة الغربية، والمتمثلة في تضييقات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة، وتدخلات الفصائل المسلحة الخارجة عن القانون، استطاعت الشرطة الفلسطينية تحقيق إنجاز أمني نوعي يُعدّ مثالاً على فعالية العمل المؤسسي حين يتوافر له الحد الأدنى من الاستقرار والتخطيط المحكم.
الإطاحة بالمشتبه به الرئيسي في سلسلة عمليات سطو مسلح استهدفت أربعة بنوك في محافظتي الخليل ورام الله، لم تكن مجرد عملية أمنية ناجحة فحسب، بل نموذج واضح على قدرة أجهزة إنفاذ القانون الفلسطينية على أداء واجبها المهني رغم الضغوط المتعددة من الاحتلال والفلتان الأمني.
شجاعة ومهارة أمنية
العملية التي قادتها المباحث العامة في شرطة محافظة الخليل، وأسفرت عن اعتقال المتهم بعد كمين دقيق في بلدة ترقوميا، جاءت بعد أشهر من العمل الميداني وجمع المعلومات والرصد المستمر لتحركات المشتبه به. وتكمن أهمية هذا الإنجاز في عدة جوانب:
أولها أن المتهم استطاع على مدار ثلاث سنوات تنفيذ أربع عمليات سطو معقدة، مستخدماً أساليب احترافية أربكت الجهات الأمنية وأثارت الرعب في المؤسسات المصرفية.
ثانيها أن تنفيذ عملية الاعتقال في منطقة تعاني من تدخلات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة، وتعقيدات جغرافية ومجتمعية، يتطلب شجاعة ومهارة أمنية عالية المستوى.
في واقع يُعدّ فيه التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي ملفًا حساسًا ومحل جدل دائم، وغالبًا ما تعرقل قوات الاحتلال ملاحقات الشرطة الفلسطينية، فإن نجاح أجهزة الأمن المحلية في إنجاز هذه المهمة يعكس استقلالية نسبية في القرار الأمني، وقدرة على تجاوز القيود المفروضة. كما أن العمل تحت ضغط الواقع السياسي والانقسام الداخلي الفلسطيني، وانتشار السلاح غير الشرعي في أيدي الفصائل المسلحة الخارجة عن سيطرة السلطة، يزيد من تعقيد مهمة الشرطة ويجعل الإنجاز مضاعفًا.
رسالة قوية إلى الشارع الفلسطيني
إضافة إلى ذلك، فإن عملية الإيقاع بالمتهم تُرسل رسالة قوية إلى الشارع الفلسطيني مفادها أن “العدالة وإن تأخرت، لا تموت”، وأن المؤسسة الأمنية قادرة على الوصول إلى المجرمين مهما طال الزمن. وهذا مهم في ظل حالة انعدام الثقة التي قد تتسلل إلى المواطنين حين يرون الجرائم تمرّ بلا محاسبة أو حين يشعرون أن السلطة تفقد سيطرتها أمام تغوّل الجماعات المسلحة أو تغلغل الاحتلال.
الناطق الإعلامي باسم الشرطة، العميد لؤي ارزيقات، كان واضحًا في تأكيده أن الشرطة لن تتهاون مع أي تهديد لأمن المواطنين وممتلكاتهم، وهذا يؤكد توجّهًا مهنيًا في عمل المؤسسة الأمنية بعيدًا عن التسييس أو التراخي. كما أن الإشارة إلى أن المتهم سيُحال إلى الجهات القضائية المختصة يضيف بعدًا قانونيًا إلى الإنجاز، ويكرّس مبدأ سيادة القانون بدلًا من منطق الفوضى الذي يسعى البعض إلى فرضه تحت ذرائع المقاومة أو الحصانة التنظيمية.
استعادة هيبة الدولة
في ظل هذا الواقع المضطرب، تبقى جهود الشرطة الفلسطينية بارقة أمل في إمكانية استعادة هيبة الدولة، وضمان الحد الأدنى من الأمان للمواطن الفلسطيني الذي يعاني من ازدواجية التهديد: الاحتلال من جهة، والانفلات من جهة أخرى. ما تحقق في الخليل ليس مجرد اعتقال، بل هو إعلان غير مباشر بأن القانون ما زال قادرًا على استعادة موقعه حتى وسط الركام.