حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من أن أطفال القطاع باتوا مهددين بالموت عطشًا، بعدما تعطلت معظم مرافق مياه الشرب. وفي تصريحات مؤلمة أدلى بها المتحدث باسم المنظمة جيمس إلدر خلال مؤتمر صحفي في جنيف، أكد أن “40% فقط من مرافق مياه الشرب لا تزال صالحة للاستخدام”، محذرًا من كارثة صحية وإنسانية وشيكة.
وأشار إلدر إلى أن مستوى إمدادات مياه الشرب الآمنة في غزة “بات أقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب في حالات الطوارئ“، ما يعني أن سكان القطاع، وخاصة الأطفال، يواجهون خطرًا يوميًا متزايدًا بفعل الجفاف والتلوث، وسط عجز عن توفير البدائل.
سوء التغذية يتفاقم: مستشفيات الأطفال تعجز
إلى جانب شحّ المياه، تتصاعد أزمة سوء التغذية بين الأطفال في غزة بشكل غير مسبوق. فقد أفادت اليونيسف أن عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وخمس سنوات والذين أُدخلوا لتلقي علاج سوء التغذية ارتفع بنسبة 50% خلال الفترة بين أبريل ومايو فقط، ما يكشف عن تفاقم سريع في تدهور الحالة الصحية للأصغر سنًا والأكثر هشاشة.
وتشير تقديرات المنظمة إلى أن نحو نصف مليون شخص يعانون الجوع المزمن، في وقت تزداد فيه معدلات فقر الغذاء ونقص الخدمات الطبية، خاصة في ظل الدمار الذي طال المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، ما جعلها عاجزة عن الاستجابة للحالات الحرجة.
مساعدات مجتزأة ونظام توزيع يعمق الأزمة
رغم تدفق بعض المساعدات عبر النظام الإنساني المدعوم من الولايات المتحدة والمُدار من قبل “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF)، إلا أن اليونيسف تشير إلى أن هذا النظام لا يلبّي الاحتياجات العاجلة، بل “يفاقم وضعًا مأساويًا أصلًا”، وفق تعبيرها. ويُتهم هذا النظام بـ عدم الشفافية وسوء التنظيم، ما يجعل المساعدات غير كافية وغير منتظمة، كما تُوزع بطريقة لا تضمن العدالة ولا تلامس أكثر الفئات تضررًا.
ويرى مراقبون أن الاعتماد على هذا النظام أدى إلى تسييس العمل الإنساني، وحرمان المناطق الأكثر تضررًا من الدعم المنقذ للحياة، خاصة في شمال غزة، حيث تقف آلاف العائلات دون مأوى أو غذاء أو مياه نظيفة.
غزة تختنق في صمت… والوقت ينفد
في ضوء هذه التحذيرات، يبدو أن غزة تقف على حافة كارثة إنسانية شاملة، مع شحّ المياه، الجوع المتصاعد، وانهيار الرعاية الصحية. وتبقى أرواح الأطفال معلقة بقرارات سياسية دولية ما تزال بطيئة ومترددة. ومع فشل المنظومة الإنسانية الحالية في التصدي للاحتياجات، يزداد الضغط على المجتمع الدولي لإعادة النظر في آلية إيصال المساعدات وتوفير حماية عاجلة للمدنيين في القطاع المحاصر.
فالمأساة لا تتعلق فقط بالحرب، بل بصراع من أجل البقاء في بيئة فقدت كل مقومات الحياة. وفي غياب تحرك فاعل، ستبقى صرخات العطش والجوع في غزة بلا صدى.